ومن الواضح هنا أنّ محور الإشكال مبني على مسألة الثواب والعقاب والعدل الإلهي ، والحال أنّ الإشكال في الصورة الأُولى مبني على عدم وفاء المادة لحشر كلّ إنسان على النحو الأكمل.
ويمكن الإجابة عن هذا الإشكال المذكور بوجهين :
الوجه الأوّل : إذا تحوّل عضو من بدن المؤمن وأصبح جزءاً من بدن الإنسان الكافر ، فحينئذٍ ـ وبلا ريب ـ يكون تعذيبه تعذيباً للكافر لا للمؤمن ، لأنّ هذا العضو انقطعت صلته بالمأكول واندكّ في الآكل على نحو صار جزءاً منه ، فتعذيبه أو تنعيمه يرجع إلى الآكل لا إلى المأكول ، وهذا نظير زرع الأعضاء الرائج في الطب الحديث ، فإنّ الكلية مثلاً إذا أُخذت من بدن شخص وزرعت في بدن شخص آخر بنحو التحمت مع سائر الأعضاء فتعذيبها وتنعيمها يرجع إلى البدن المنقولة له لا البدن الأوّل ، وكذلك الأمر في مسألة الآكل والمأكول.
الوجه الثاني : إنّ الشبهة نابعة من التفكير المادي الذي يحصر الإنسان في اللحم والجلد والعظام والمواد الطبيعية لا غير ، مع أنّ واقع الإنسان وحقيقته أعمق من ذلك وهي روحه ونفسه ، فإذا صار عضو من الإنسان جزءاً من إنسان آخر انقطعت صلة الروح عن الجزء المقطوع ، فلا يكون مدبّراً للنفس ، فتكون الآلام واللّذات منصبّة على الآكل لا على المأكول وعلى المنقول له لا على المنقول منه.
وفي الختام نؤكّد انّ مركز الآلام واللّذات هو الروح والنفس الإنسانية ، وانّ البدن لا يتجاوز عن كونه وسيلة لإدراك الآلام واللّذات الجسدية لا أكثر ، والمفروض انّ هذا العضو لا علاقة له بالبدن السابق ليؤثر في نعيمه أو عذابه. (١)
__________________
(١). منشور جاويد : ٩ / ١٥٠ ـ ١٥٦.