والحال انّ هاتين القوتين غير المعدّلتين لا يعدّان كمالاً للإنسان ، بل لو تعلّقت النفس الحيوانية المذكورة بالبدن الإنساني فستكون عائقاً عن تكامله ورقيّه ، لأنّ تكامل الإنسان يكمن في أن تكون قواه معدّلة وشهوته وغضبه محدّدة ، وأمّا لو فرضنا انّ النفس الحيوانية تعلّقت بالإنسان بعد تحديدها وتعديلها فسيكون ذلك نقصاً للنفس الحيوانية وسيراً نزولياً لها ، وأمّا إذا تعلّقت النفس الحيوانية بالبدن الإنساني بما لها من الخصوصيات ، فهذا لا يؤدّي إلى كمال الإنسان ورقيّه ، بل يؤدّي إلى انحطاطه وتسافله وخروجه عن درجة الإنسانية إلى حدّ الحيوانية.
وبالطبع انّ القائلين بهذا النوع من التناسخ ، أصابوا في أصل المدّعى وأخطئوا في التصوير ، إذ أنّهم عدلوا عن التكامل المتّصل ومالوا إلى القول بالتكامل المنفصل والمنقطع ، وهذه هي نقطة الخلاف الأساسية بين التناسخ بهذا المعنى ـ من التكامل المنفصل حيث الانتقال عبر القنوات النباتية ثمّ الحيوانية ثمّ الإنسانية ـ وبين الحركة الجوهرية التي تذهب إلى تكامل النفس بصورة متّصلة وفي بدن واحد.
وبتعبير أوضح : انّه وفقاً لهذه النظرية تمتلك النفس النباتية حالة من التعيّن ثمّ تتعلّق ببدن الحيوان بنفس تلك الخصوصيات ، وهذه النفس الحيوانية تنتقل إلى بدن الإنسان وهي تحمل تعيّناتها الحيوانية من الغضب والشهوة لتطوي سيرها التكاملي في بدن الإنسان ولكن في الحقيقة انّ هذا النوع من الحركة لا يُعدّ سبباً للتكامل والرقي ، بل هو موجب لانحطاط الإنسان وهبوطه إلى درجة أسفل ومرتبة أدنى ، لأنّ النفس الإنسانية المشبعة بالغضب والشهوة تحوّل الإنسان إلى مخلوق مفترس وكائن متوحّش ووجود شرسٍ لا يفهم إلّا لغة الغضب والشهوة.
والحال انّ التكامل وفق الحركة الجوهرية يطوي مسيره التكاملي من الحالة