وكذلك عودة من محضوا الإيمان من الصالحين كما هو مقتضى مفهوم الرجعة ولا علاقة لها من بعيد أو من قريب بمسألة التناسخ ، وذلك لأنّ محور التناسخ يقوم على أساس تعدّد الأبدان أوّلاً ، وانحطاط النفس ورجوعها القهقرى من مقامها الإنساني ثانياً.
ومن الواضح أنّ هذين المحذورين غير متوفّرين في مسألة إحياء الموتى ، لأنّه في عملية الإحياء لا يوجد تعدّد للأبدان ولا النفس تهبط من مقامها السامي والشامخ إلى الدرجة الوضيعة ، بل انّ النفس تتعلّق وترجع إلى نفس بدنها السابق الذي تركته والتي كانت لها معه درجة كاملة من الانسجام والتناسق ، وعلى هذا الأساس فإنّه وفقاً لنظرية الرجعة يكون البدن واحداً ، وكذلك النفس تعود إلى نفس بدنها الذي فارقته بسبب الموت ، وتتعلّق به ، ولذلك يكون قابلاً ومناسباً لتدبير الروح له ، إذ الروح هي نفس الروح التي فارقته والتي كانت تدبره على أحسن وجه وكان بينهما تناسق وانسجام ، أضف إلى ذلك انّه وفقاً لنظرية الرجعة لا تفقد النفس كمالاتها واستعداداتها بسبب العودة إلى الحياة الدنيا ، ولا يوجد أيّ تراجع للنفس عن كمالاتها لكي يقال انّ الرجعة تقتضي الحركة الارتجاعية والقهقرائية من مرتبة الفعلية إلى مرتبة القوّة أو إلى أدنى من ذلك وهو محال ، بل انّ النفس تعود إلى البدن بنفس كمالاتها واستعداداتها التي تمثل الأرضية المناسبة للسعادة أو الشقاء.
من هنا اتّضح انّ الفرق بين التناسخ والرجعة فرق جوهري وانّهما مقولتان مختلفتان تماماً. (١)
__________________
(١). منشور جاويد : ٩ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦.