وهو الوسيلة التي يوزن بها المتاع والأشياء ، ولكن هل انّ حقيقة الميزان وواقعيته تنحصر بهذا الميزان ذي الكفتين؟ أو أنّ ذلك يمثّل أحد مصاديق «الميزان» الذي ظلّ البشر ولفترة طويلة يستعمله قبل الثورة الصناعية والتطوّر العلمي حيث ظهرت مصاديق أُخرى للميزان تختلف اختلافاً جوهرياً مع الميزان السابق ، فقد تطوّر العلم وأحدث وسائل للقياس والوزن بحيث توزن فيها أشياء لا يمكن بحال من الأحوال وزنها وقياسها بالميزان القديم أبداً ، مثل وسائل قياس درجات الحرارة والماء والكهرباء والهاتف وضغط الدم وكيفية نبض القلب ، وغير ذلك من الأُمور الدقيقة والحسّاسة جداً ، بل قفز الإنسان قفزة كبيرة من خلال صناعة الحاسوب الذي استطاع من خلاله أن يزن أدق الأُمور وأخفاها وبيان الصحيح منها من الخاطئ.
على هذا الأساس يمكن القول : إنّ لكلّ شيء ميزاناً خاصاً يناسبه وليس الميزان منحصراً بماله كفّتان ، وانّ الإنسان كلّما تطوّر علمياً وتكنولوجيّاً اخترع من وسائل الوزن ما تدهش العقول وجعل لكلّ شيء ميزاناً يناسبه.
ثمّ إنّنا إذا نظرنا إلى علم المنطق مثلاً نجده يُعدّ ميزاناً لتشخيص الأفكار الصحيحة والخاطئة والفصل بينهما ، وكذلك القضايا البديهية والقريبة من البديهية فانّها ميزان للفصل بين الحقّ والباطل في (التصديقيات).
بناء على هذا الأصل لا يمكن تفسير «الميزان» في عالم الآخرة بما في الحياة الدنيا من وسائل «الوزن» و «القياس» ، أو تفسيرها بالعدل الإلهي ، بل أنّ مقتضى الاحتياط والتحرّز في بيان المعارف والمفاهيم الإسلامية أن نقول : إنّ الميزان المنصوب في يوم القيامة شيء أعظم ممّا توصل إليه العقل البشري يعلم به صالح الأشياء وطالحها والمحسن والمسيء.
فالخلاصة : انّنا نؤمن بوجود وسيلة للقياس والوزن يوم القيامة ولكنّها وسيلة