المرحلة والظرف الذي تحقّق فيه ، وأنّ عدمه بعد انقضاء زمانه عدم نسبي لا عدم مطلق ، فكلّ شيء موجود في ظرفه لا يمكن أن يطرأ العدم عليه.
هذا هو الدليل العقلي الحاسم ، ويؤيد ذلك قوله تعالى :
(... وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ). (١)
ومن هنا نعلم أنّ الإشكال الأوّل القائل : إنّ أعمال الإنسان التي يقوم بها تنعدم ويستحيل إعادة المعدوم ، لا أساس له من الصحة.
كذلك الكلام في الإشكال الثاني ـ انقلاب العرض جوهراً ـ فإنّه غير صحيح أيضاً ، وذلك لأنّنا وإن كنّا نتبنّى نظرية المعاد الجسماني ولكن ليس ذلك بمعنى سيادة القوانين الدنيوية جميعها على النشأة الأُخرى ، بل انّ الاختلاف بين النشأتين قد يورث الاختلاف بينهما في بعض القوانين ، يقول سبحانه :
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ). (٢)
أضف إلى ذلك انّ هناك الكثير من الآيات التي يستفاد منها انّ للنظام الأُخروي قوانينه الخاصة به.
نعم هنا بعض الأُصول العقلية التي لا تختص بالعالم الدنيوي ، بل تعمّ النشأتين من قبيل استحالة اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، واجتماع الضدين ، ولكن ذلك لا يمنع من وجود سلسلة من القوانين العقلية غير المحضة ، أن تكون سائدة وفقاً للنظام السائد في الحياة الدنيا ولكنّها تتغيّر وفقاً لعالم الآخرة ، من قبيل تبدّل
__________________
(١). يونس : ٦١ ، سبأ : ٣.
(٢). إبراهيم : ٤٨.