ومن الواضح أنّ موسى عليهالسلام لم يطأ ماء مدين بقدميه وإنّما اقترب منه وأشرف عليه ، لأنّ الماء في أعماق البئر بشهادة أنّه سبحانه يقول بعد ذلك :
(... وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ...).
ومن الواضح أنّ الرعاة والمرأتين ـ ابنتا شعيب ـ قد أشرفوا على الماء واقتربوا منه ولم يدخلوا إلى البئر أو المشرعة.
وعلى هذا الأساس يكون مفاد الآية : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ...) أنّ أصحاب الجنة وأصحاب النار يشرفون جميعاً على النار ويقتربون منها ، ثمّ ينجي الله المؤمنين ويساقون إلى الجنة ويلقى أصحاب النار في الجحيم ، ومن هنا يكون استعمال جملة (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) في حقّ المتقين استعمالاً مناسباً جداً لخطورة الموقف.
الاحتمال الثاني : انّ المراد من (الورود) هو الدخول ، فيكون معنى الآية أنّ جميع أهل المحشر ـ حتّى أصحاب الجنة ـ يدخلون النار ، ثمّ يترك فيها الظالمون والكافرون ، وينجي الله سبحانه المؤمنين والمتّقين ، ومن دون أن يصيبهم أيّ أذى ، وذلك بأمر من الله سبحانه الذي خاطب النار وقال لها : (كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ). (١)
ولقد استدلّ أصحاب هذا الرأي على رأيهم بطائفة من الآيات والتي منها :
ألف : ما ورد في خصوص فرعون وكيف أنّه يقود قومه والفراعنة إلى النار حيث قال سبحانه :
(يَقْدُمُ قَوْمَهُ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ...). (٢)
__________________
(١). الأنبياء : ٦٩.
(٢). هود : ٩٨.