إنّ القرآن ـ وخلافاً للفكر الماركسي الذي يرى أنّ المعرفة الإلهية والعلاقات والروابط والأُسس الدينية سبب لضياع الإنسان وغربته عن نفسه وجهله بها ـ يرى أنّ الأواصر والعلاقات الدينية هي السبب الأساسي لعثور الإنسان على هويته ومعرفته بذاته وإدراكه لحقيقة وجوده ، وانّ إهمال هذا الأصل وقطع هذه الأواصر وتلك العلاقات يكون سبباً للضياع والتيه وفقدان الهوية ، والدليل الذي أقامه لإثبات تلك الحقيقة واضح جداً وجلي للعيان ، وذلك لأنّ الإنسان باعتبار كونه معلولاً للذات الإلهية ومخلوقاً لله سبحانه فليس له حقيقة إلّا الارتباط والتبعية لعلّته الموجدة له ، وانّ إغفال هذا الأصل وإهماله لا يعني إلّا إهمال الإنسان لنفسه ولحقيقته ، وانّ قطع هذه الآصرة ونفي هذه الرابطة تساوي نفي الإنسان لوجوده.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أعلمكم بنفسه أعلمكم بربّه». (١)
ولقد سألت إحدى زوجات النبي يوماً الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : متى يعرف الإنسان ربّه؟ فأجاب صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : «إذا عرف نفسه». (٢)
ويقال انّ أحد العارفين قال لنظيره : أنت تقول : «إلهي عرّفني نفسك» ولكن أنا أقول : «إلهي عرّفني نفسي». (٣)
ولقد نقل عن «أبو علي سينا» في رسالة «الحجج العشرة» أنّه قال :
روي عن سيّد الأوصياء علي بن أبي طالب عليهالسلام أنّه قال : «من عَرَفَ نَفْسَهُ فقد عرَف ربّه».
__________________
(١) و (٢) أمالي المرتضى : ٢ / ٣٢٩ ، ط مصر.
(٣). اختلاف بين هذين النوعين من الطلب ، وذلك لأنّ إحدى وسائل معرفة الله سبحانه هي معرفة الإنسان نفسه ، فإنّ من يدعو الله بقوله : «إلهي عرّفني نفسك» فانّه في الحقيقة يريد أيضاً معرفة نفسه ، ولذلك جاء كلام ذلك العارف : «فإنّ معرفة النفس مرقاة معرفة الرب».