الالتفات إلى جملة (وَمَنْ عادَ) الواردة في الآية يكشف عن أنّ هذه الجملة بمنزلة القرينة على أنّ المراد ليس كلّ من أكل الربا ، بل المراد من لا يؤمن بتحريم الربا ومن جاءته آيات الله سبحانه وبيّنت له مخاطر ومفاسد الربا ولكنّه لم يرتدع عنه وكان سلوكه في ما بعد التحريم نفس سلوكه قبل أن يصله التحريم الإلهي للعملية الربوية ، ولم يكترث بالتحريم أبداً ولم يصغ لنداء السماء ويصرّ على أنّ البيع مثل الربا ولا اختلاف بين العمليتين أبداً.
ومن الواضح أنّ مثل هكذا إنسان ، متمرّد على أوامر السماء ولم يؤمن بها ، بل أنّ موقفه هذا يُعدّ تكذيباً للوحي الإلهي.
وبعبارة أُخرى : لقد وقع العرب قبل آية التحريم بانحرافين :
الأوّل : انّهم اعتقدوا انّ البيع مثل الربا.
الثاني : الانحراف العملي ، إذ كانوا يمارسون تلك المعاملات بصورة واسعة.
ولذلك نجد أنّ الآية الكريمة تضع عنهم وزر هذين الانحرافين وتعفو عمّا سلف منهم ولكنّها تشدّد على المؤاخذة لمن يبقى متمسّكاً بهذين الانحرافين ولم يعدل عنهما إلى جادة الحق وطريق الصواب ، فتوعدهم بالخلود في النار ، ومثل هؤلاء لا يخرجون عن إطار الكفر حيث إنّهم أنكروا الوحي والرسالة بإصرارهم على مواقفهم السابقة.
نعم إذا قلنا : إنّ موضوع الخلود في النار هو أكل الربا بعد تشريع التحريم ، سواء اقترن بالانحراف العقائدي أم لا ، ففي مثل هذه الصورة يمكن القول إنّ الآية تدلّ على ادّعاء خلود مرتكب الكبيرة في النار ، ولكنّه لا توجد أيّ قرينة على هذا الادّعاء ، وانّ القدر المتيقّن والذي يستفاد من قوله تعالى : (وَمَنْ عادَ) انّ الآية ناظرة إلى الانحرافين قبل التشريع أو انّها ناظرة إلى الانحراف الأوّل فقط ، ولا