ولكن لا بدّ من النظر إلى هذه المسألة البالغة الحساسية نظرة فاحصة ، وبدقّة متناهية لنرى هل أنّ العقل ينظر إلى الحرب ـ وتحت مختلف الظروف والشروط ـ نظرة ذامّة؟ وهل الموقف العقلي من الحرب هو موقف الإدانة دائماً بحيث لا يحق لأمّة من الأُمم ـ مهما كانت الظروف ـ أن تحمل السيف والجهاد وتخوض غمار الحرب؟
أو أنّ العقل يرى في بعض الحالات وتحت سلسلة من الشروط الموضوعية انّه لا مفرّ ولا طريق أمام الأُمّة إلّا حمل السلاح والتوسّل بالحرب لإعادة حقوقها المهدورة وكرامتها المنتهكة ، ويرى أنّ الإعراض والنكوص عن الحرب في مثل تلك الظروف يُعدّ لوناً من ألوان الذلّ والهوان والجبن الذي لا ينبغي للإنسان الحر الاتّصاف به؟
لا شكّ أنّ الأُمّة أو المجتمع إذا تعرض كلّ منهما للاعتداء والتجاوز على حقوقه وهدرت كرامته ، فحينئذٍ يحكم العقل والفطرة أنّه يحق لذلك المجتمع وتلك الأُمّة الدفاع عن حقوقها ، بل يرى العقل أنّ الحرب في هذه الحالة أمرٌ لازم لا يمكن التنصّل منه ، وانّه الحق الطبيعي لذلك المجتمع أو تلك الأُمّة.
ونحن إذا نظرنا إلى جميع الأُمم وعلى مرّ التاريخ ، لا نراها تنظر إلى الحرب نظرة ذامّة حينما تستنفد جميع الحلول السلمية ويصرّ الخصم على التمادي في غيّه ولم يبق أمام هذه الأُمّة إلّا طريقان : إمّا القتل والإبادة ، أو الدفاع عن نفسها وإشهار السلاح بوجه المتجاوز لردعه عن تجاوزه.
ومن هذا المنطلق وعلى أساس هذا الدليل نرى أنّ العالم المعاصر ـ بالرغم من ذمّه للحرب وسفك الدماء ـ قد اعتبر الحرب في بعض الحالات أمراً مشروعاً وعملاً قانونياً.