إذاً صحيح أنّ الله (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) ولكن مَن هم هؤلاء الذين يريد الله ضلالهم وعدم هدايتهم؟ القرآن المجيد يجيب عن هذا التساؤل قائلاً :
(... وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ). (١)
وفي آية أُخرى :
(... فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ...). (٢)
نعم أنّ الله قادر على أن يأخذ بأعناق الجميع إلى طريق الهداية والصراط المستقيم وأن يجبرهم على طي هذا الطريق حيث يقول سبحانه :
(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ...). (٣)
ولكن في هذه الحالة لا يكون الإنسان إنساناً ، بل يتحوّل إلى آلة ميكانيكية ، لا تعمل بإرادتها ومشيئتها وإنّما عملها وحركتها تابع لإرادة العامل الفنّي المشرف عليها ، فمتى شاء ضغط على زر التشغيل فتعمل ومتى شاء أطفأها ، وانّها لا تملك القدرة على العصيان أو التمرّد أمام إرادة العامل القاهرة لها ، وكذلك يصبح الإنسان عاجزاً أيضاً عن الصمود أمام الغرائز الكامنة فيه ، ولذلك سيضطر لتكييف نفسه مع تلك الغرائز والميول وينظم حياته على أساسها حاله في ذلك حال النحل ، أو دودة القز أو ....
ولكن شاء الله تعالى أن يكون الإنسان إنساناً ومخلوقاً خاصاً له إرادته ومشيئته واختياره وحريته الكاملة التي منحها الله تعالى له ، ليتمكّن من خلال وضعها في الموضع المناسب أن ينطلق بنفسه إلى قمة هرم الكمال والرقي الإنساني
__________________
(١). البقرة : ٢٦.
(٢). الصف : ٥.
(٣). السجدة : ١٣.