اما وجه التقديم على الأصول العقلية فواضح من جهة ان موضوع حكم العقل عدم البيان من الشرع كما في البراءة العقلية والاستصحاب بيان من الشرع بعدم نقض اليقين السابق بالشك اللاحق.
واما وجه التقديم على الأصول الشرعية والقواعد كذلك فمن جهة ان الغاية لتلك الأصول هو العلم كما هو لسان مثل قوله عليهالسلام كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام ورفع ما لا يعلمون والظاهر من العلم وان كان العلم الوجداني بالواقع الواقعي ولكن الاستصحاب يكون فردا من العلم بالتعبد من الشرع فكأنه يحكم بحصول الغاية بلسان عدم نقض اليقين.
وهذا اللسان حاكم لا بمعنى كون العلم المأخوذ في الغاية مشروحا بمثل كلمة أي وأعني ولا بمعنى حكومة الأدلة الثانوية على الأدلة الأولية بل بمعنى نظر دليل الاستصحاب إلى دليل ساير الأصول وهو المناط في الحكومة كما حققناه في محله عند بيان الحكومة والورود.
فان قلت ان قاعدة الحلية وقاعدة الطهارة أيضا من الأصول المحرزة فكيف يقدم الاستصحاب عليهما ودليل كونها محرزة هو ان من صلى في ثوب جرت فيه قاعدة الطهارة أو قاعدة الحلية ثم ظهر الخلاف تجب الإعادة مع ان الشرط الواقعي يجب إحرازها ثم الدخول في الصلاة.
فمن اتفاقهم على جواز الدخول فيها مع القاعدة ثم حكمهم بعد كشف الخلاف بالإعادة نفهم انها محرزة وإلّا فمن أين يصح الدخول فيها ومن أين تجب الإعادة لو لم يكن المدار على الواقع.
وهذا الإشكال يأتي في صورة كون المبنى في الاستصحاب تنزيل اليقين لأنه على هذا المبنى أيضا ليس إلّا محرزا للواقع كما في القاعدتين.
قلت غاية الاستصحاب غير حاصلة بواسطة القواعد المحرزة لأن غاية ما يدل عليه القواعد هي ترتيب أثر المتيقن لا أثر اليقين بخلاف الاستصحاب على ما هو التحقيق