إذن ، فالذي يحتمل كونه مخالفاً للوجدان يكمن حتماً في ترك الأولى المتجسّد في كيفية تصرّف موسى (لا أصل تصرّفه).
ويبدو أنّ مراد موسى عليهالسلام من : «ظلمت نفسي» هو الوقوع في المشقّة ، باعتبار أنّ قتله لأحد الأقباط ليس بتلك السهولة التي يتناساها أتباع فرعون ، ولا يخفى أنّ ترك الأولى يعني العمل المباح ذاتاً ، إلّاأنّه يَحرم صاحبه من العمل الأفضل.
وجملة : (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) إشارة إلى أصل نزاع القبطي والسبتي (الفرعوني والاسرائيلي) ، أي أنّ نزاعهم الأعمى التافه هذا هو من عمل الشيطان.
إذن ، فطلب المغفرة من الله إنّما هو لتركه الأولى ، وقد ورد نظيره في القرآن الكريم بحقّ آدم وحواء أيضاً ، حيث انّهما قد أوقعا نفسيهما في المشقّة وذلك بتركهما للأولى ، وأكلهما من الشجرة الممنوعة ، فطلبوا المغفرة لذلك (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ). (الأعراف / ٢٣)
امّا التعبير بـ «الضالّين» المأخوذ من مادّة «الضلال» التي تعني في الأصل ترك الطريق السوي ، فله معنى واسع ولا ينحصر بمعنى الإعراض عن الدين والحقّ فقط ، بل يصدق بحقّ شخص كموسى عليهالسلام الذي عرض حياته للخطر بقتله لذلك الفرعوني أيضاً ، وبعبارة اخرى فقد ترك طريق السلامة ، وسلك طريق ذات الشوكة ، ولذا لم يتمكّن من البقاء في مصر بعد تلك الحادثة فغدى مشرّداً في البوادي والجبال إلى أن وصل أرض «مدين» ، وشملته الألطاف الإلهيّة في خاتمة المطاف ، حيث عاش هناك ولعدّة سنين وتربى على يد شعيب عليهالسلام ، وتهيّأ لتحمّل مسؤولية الرسالة.
لا يخفى أنّ البعض يعتقد بأنّ معنى «الضلال» هنا هو عدم الإطّلاع ، أي لم أعلم بأنّ تلك الضربة ستقضي على الرجل ، وبناءً على هذا فالقتل المذكور يعد مصداقاً لقتل الخطأ لا العمد ، لكن المعنى الأوّل يبدو أنسب ، رغم أنّ فرعون قد يفهم من كلام موسى عليهالسلام شيئاً آخر ، ولذا اقتنع بذلك ولم يعلّق عليه بشيء.
ثانياً في الآية ١٤٣ من سورة الأعراف تستوقفنا هذه الحادثة ، وهي أنّ موسى عليهالسلام