آية واحدة ، يرد هذا السؤال وهو : أي منهما يكون الأصل حقيقة والآخر فرع؟
الجواب عن هذا السؤال ليس بتلك الصعوبة كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك لأنّ «العلم» له حيثية الطريقية المقدّمية ، والهدف الرئيسي هو تربية الإنسان وتزكية النفس وتكامل الروح ، وبعبارة اخرى : إنّ تلاوة آيات القرآن الكريم وتعليم العلم والحكمة كلّها تهدف إلى هذا الهدف الأسمى ، وبناءً على ذلك تعدّ كلّ هذه مقدّمة بالنسبة للتزكية التي تعتبر ذي المقدّمة ، وما السبب وراء ذكر «التزكية» قبلـ «تعليم الكتاب والحكمة» في آيتين اخريين إلّالبيان دورها الخطير هذا.
فضلاً عن ذلك ، فإنّ كلّ واحد من هذين الأمرين يترك أثره على صاحبه ، أي إنّ الإنسان لا يسعى وراء العلم ما لم تتحقّق مرحلة تزكية النفس ، وما لم يتحقّق العلم فسوف لن تحصل المراحل العالية من التزكية ، وبناءً على هذا ف «التعليم» و «التزكية» لهما أثران متقابلان ، كما يحتمل أن يكون الغرض من تنوّع الآيات حول هذا الموضوع هو إلفات النظر إلى هذا الأمر.
وينبغي ألّا يخفى أنّ البعض من العلوم كالعلوم المرتبطة بالمعرفة بصورة عامّة ومعرفة الله تعالى ونظائرها لها حيثية ذاتية وعينية ، أو بعبارة اخرى فهي مطلوبة بالذات ، في حين أنّ العلوم الاخرى ليس لها حيثية مقدمية ، ولهذا يمكن أن يكون تنوّع الآيات الآنفة الذكر إشارة إلى هذه الملاحظة أيضاً.
رابعاً : حول الاختلاف المحتمل بين «الكتاب» و «الحكمة» يعتقد البعض بأنّ الكتاب إشارة إلى القرآن الكريم ، والحكمة إلى الأحاديث والسنّة النبويّة الشريفة ، أو أنّ «الكتاب» إشارة إلى مجموعة الأحكام والأوامر الإلهيّة و «الحكمة» إشارة إلى أسرار تلك الأحكام وفلسفتها ، لأنّ الإحاطة بتلك الأسرار تزيد من عزم الإنسان على تنفيذها ، كما أنّ هناك احتمالاً آخر وجيهاً أيضاً وهو إنّ ذكرهما معاً «الكتاب والحكمة» إشارة إلى مصدري المعرفة الرئيسيين أي «الوحي» و «العقل».
خامساً : لفظة «الامّيين» على حدّ قول الكثير من المفسّرين ، إشارة إلى اولئك الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ويجهلون العلم والمعرفة على الإطلاق ، أي كأنّما ظلّوا كما ولدتهم امّهاتهم بالضبط لم يتغيّروا قيد أنملة أبداً.