ضدّها الأكاذيب ، ويلصقون بها التّهم ، وينسبون لقائدها شتّى الرذائل ، من جملتها أنّه قد أحدث الفرقة وشقّ وحدة الصفّ ، وأهان المقدّسات ، ولا يرمي سوى الوصول إلى السلطة والحكومة واستعباد الناس ونيل المنزلة والثروة ، وأنّه آلة بيد الآخرين ومنفذ لأهداف الأجانب!! فلو لم يحالف النجاح هذه الثورة ، فانّ هذه التّهم تتعاظم شيئاً فشيئاً بدل انحسارها وتوقّفها ، وبديهي أنّ فشلها يعدّ بمثابة الدليل على صدق هذه الإدّعاءات.
لكن حينما انتصرت الثورة بلطف الرعاية الإلهيّة ، وتم القضاء على العادات الخرافية ، وتلاشت المصالح الشخصية اللامشروعة ، واتّضحت حقّانية دعوة ذلك القائد السماوي ، فسرعان ما تبدّدت كلّ تلك الإساءات التي نُسبت إليه والإتّهامات الباطلة سواء المتعلّقة منها بالماضي أو التي كان من المقرّر طرحها في المستقبل ، وحلّ الندم والاسف محلّ التهجّمات والإتّهامات الزائفة ، وخسِئ حتّى المنافقون الذين أعمى الله أبصارهم ، والمتعصّبون الذين يعاندون ولا يؤمنون ، لأنّهم أيقنوا بالفشل أمام هذه الحقيقة.
ولذا يقول تعالى للنبي صلىاللهعليهوآله (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) (أي ممّا كانوا يعدّونه ذنباً وممّا سيرمونك من تهمة الذنب) (١).
ومن هنا يتّضح السبب وراء نسبة هذا الغفران إلى الله ، باعتباره هو الذي هيّأ مقدّمات هذا الغفران ، والتي هي عبارة عن نفس ذلكـ «الفتح المبين».
والملفت هنا هو انّنا نجد هذا المطلب متجسّداً بكلّ وضوح في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام في كتابـ «عيون أخبار الرضا» ، حيث قال عند ردّه على سؤال المأمون عن كيفية تناسب هذه الآية مع درجة عصمة الأنبياء : «لم يكن أحد عند مشركي مكّة أعظم ذنباً من رسول الله ، ثمّ يضيف موضّحاً ذلك قائلاً : وحيث إنّهم كانوا يعبدون ثلاثمائة وستّون صنماً ، فحينما دعاهم النبي صلىاللهعليهوآله إلى التوحيد شقّ عليهم ذلك كثيراً وقالوا باستغراب ، هل تستبدل كلّ آلهتنا بإله واحد؟ ياللعجب؟! كما أضاف قائلاً : فلمّا فتح الله
__________________
(١) «غفر» و «غفران» و «مغفرة» تعني في الأصل ستر الشيء وتغطيته على حدّ قول صاحب مقاييس اللغة ، ومن هنا اطلق على غفران الذنوب أيضاً.