هذه الحوادث العجيبة وغير المتوقّعة كانت لها صفتي التأديب والإعجاز معاً.
كما أنّ الآيات اللاحقة لها تبيّن أيضاً أنّهم كانوا يلجأون إلى موسى عند الشدائد ، ويرجون منه الطلب من الله برفع «البلاء» ويعدونه لئن كشفت عنّا الرجز لنؤمننّ لك ، ولكن حينما كان يكشف عنهم الرجز ينكثون عهدهم ، إلى أن استحقّوا أخيراً «عذاب الإستئصال» واجتُثُّوا عن بكرة أبيهم.
صحيح أنّ الفراعنة وبني إسرائيل كانوا يعيشون معاً ، لكن لا يخفى أنّ الفراعنة كانوا هم المستهدفين بهذه البلايا ، فتلك قصورهم الفخمة تطلّ على طرفي النيل ، بينما منازل بني إسرائيل تقع في مناطق نائية ، ولذا ذهب الطوفان والفيضان بقصور الفراعنة.
كما دمّر الجراد والآفات الزراعية مزارعهم الواسعة ، وحصلت زيادة مطّردة ومفاجئة في تكاثر الضفادع لتخرج من النيل وتدخل في كلّ جزئيات حياة الفراعنة ، بل لم تترك حتّى غرف نومهم وموائد طعامهم وأوانيهم بالإضافة إلى تحمّلهم لخسائر فادحة جدّاً حينما تلوّن نهر النيل بالدم.
لكن هذه البلايا أو بعبارة أخرى «المعجزات المنبّهة» التي ورد شرحها في التوراة الحالي ، في «سفر الخروج» الفصل السابع إلى العاشر ، لم توقظهم أبداً.
ويحتمل أن يكون اختيار هذه المعجزات الخمس ناظراً إلى إحاطة العذاب الإلهي بكافّة شؤون حياتهم ، فالطوفان قلب قصورهم رأساً على عقب ، والجراد دمّر بساتينهم ، و «القمّل» ذهب بزراعتهم ، والضفادع سلبتهم راحة بالهم وسكينتهم ، وإستبدال ماء النيل بالدم حرمهم ماء شربهم!
* * *
وهناك إشارة مختصرة في الآية الرابعة إلى معجزة نبي آخر وهو النبي صالح عليهالسلام ، حيث تعبّر عنها بـ «البيّنة» ، وكذلك الـ «آية» ، يقول تعالى :
(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ