وهل ياترى أرسل إليهم رسُلاً من «الجنّ» (كما يبدو من كلمة «منكم») أم أنّ كلّ الرسل الإلهيين كانوا من الإنس؟ هناك نقاش بين المفسّرين ، وإن ذهب معظمهم إلى الاحتمال الثاني باعتبار أنّ ما جاء في الآية السابقة إنّما هو من باب التغليب اصطلاحاً ، ومع ذلك لا مانع من قيام الأنبياء والرسل الإلهيين بتكليف رسل ووكلاء لهم من جنسهم لدعوتهم كما يستفاد ذلك من قوله تعالى :
(وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِىَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) (الأحقاف / ٢٩)
٦ ـ الدعوة للتقوى : وهي أيضاً من الاصول العامّة لدعوتهم عليهمالسلام ، وذلك لاستحالة ضمان الهدف النهائي من خلق البشر ونظام حياته الفردية والاجتماعية بدونها ، نقرأ في سادس آية من البحث : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ).
وهذا التعبير إلى حدّ يشمل كلّ الكتب السماوية السابقة ، وبناءً على هذا فالوصيّة بالتقوى ، أي ، حفظ النفس وتجنّب الذنوب وعدم الخروج عن طاعة الله ، كان ولا يزال من الاصول المشتركة للأديان السماوية.
كما نعلم أنّ للتقوى فروعاً كثيرة ، التقوى في العمل والحديث والتفكّر والنيّة والعزم ، كما أنّ للتقوى العملية فروعاً متعدّدة أيضاً ، التقوى الأخلاقية والاجتماعية والسياسية ، والخلاصة هي أنّ للتقوى مفهوماً واسعاً يقابل كلّ إهمال وتسيّب في كافّة الامور ، ولذا جاء في تفسير القرطبي عن بعض الفضلاء العرفاء أنّ هذه الآية هي بمثابة القطب من الرحى وأنّ كلّ الآيات القرآنية تدور حولها (١).
* * *
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج ٣ ، ص ١٩٧٨.