٣ ـ «الزبور» يعني زبور داود و «الذكر» يعني التوراة (١).
على أيّة حال فالآية تبيّن أنّ هذا كان حكماً عامّاً وسنّة إلهيّة دائمة ، تقوم بتوجيه تعاليم الأنبياء نحو تأسيس حكومة الصالحين والطاهرين في الكرة الأرضية ، وقد وفّق البعض منهم أحياناً في تشكيل نموذج لها ، وطبقاً للروايات المتواترة فسيتجسّد مصداقها الكامل عند ظهور المهدي (أرواحنا فداه).
ومن البداهة أيضاً أنّ ضمان أهداف أديان الأنبياء الإلهيين مرهون بتشكيل مثل هذه الحكومة ، إذ أثبتت التجارب أنّ الأحكام الإلهيّة لا يمكن تطبيقها بالكامل عن طريق الوصايا والنصائح والحِكَم فقط ، بل لابدّ من استثمار كلّ طاقات الحكومة وفي كافّة الأبعاد ، مع وضع الإنسان منذ لحظة ولادته وإلى وفاته تحت إشراف التعاليم السماوية.
التعبير بـ «عبادي الصالحون» تعبير جامع وبليغ جدّاً ، شامل لكلّ المؤهلات من حيث «الإيمان» و «العلم» و «التقوى» و «الإدارة والتدبير» ، أجل ، فمثل هؤلاء الأشخاص يمكنهم أن يكونوا وارثي حكومة السماء في الأرض.
* * *
١٣ ـ الدعوة إلى الوحدة : الاختلاف أكبر عامل لفساد المجتمع وضياع الطاقات الماديّة والمعنوية لكلّ قوم وشعب ، ومن هنا فأحد الأهداف الرئيسيّة للأنبياء وبرامجهم العامّة هو محاربة الاختلافات ، كما نقرأ في الآية الثالثة عشرة من البحث حيث يقول تعالى :
(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً (ثمّ ظهر الاختلاف فيما بينهم) (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيَما اخْتَلَفُوا فِيهِ) (وليقضوا على تلك الخلافات).
ومع هذا فقد أشعل فريق نار الفتنة وشقّ الكلمة ، بل اختلفوا حتّى في الحقائق النازلة في الكتب السماوية : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ).
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٧ ، ص ٦٦ ، ووردت نفس هذه المعاني الثلاثة في تفسير القرطبي.