فإنّها تدلّ على أنّ الرسول لا يجوز أن يكون فاسقاً فاعلاً للذنب والمعصية أولى.
الثاني : إنّ التعبير بـ «عهدي» لو كان يشير إلى النبوّة فالقصد منه أن أحداً من الظلمة لا ينال مقام النبوّة ، وأنّ النبي يجب أن يكون معصوماً ، ولو كان يشير إلى الإمامة فدلالة الآية تامّة أيضاً ، لأنّ كلّ نبي إمام نظراً لاقتداء الناس به (في كلّ الامور بلا قيد أو شرط)» (١).
مع أنّ كلام الرازي في تفسير الإمامة لم يف بالمطلوب (كما تقدّم) ، لكن اعترافه الصريح فيما يتعلّق بالدلالة على لزوم عصمة الأنبياء (والأئمّة) ملفت للنظر ، والإشكال الوحيد الذي يمكن إيراده على هذا الاستدلال ، هو أنّ عصمة الأئمّة هي المستوحاة من الآية المذكورة لا الأنبياء (الأئمّة بالمعنى المتقدّم).
لكن هذا الإشكال يمكن ردّه بالقول : إنّ طلب إبراهيم عليهالسلام مع أنّه يدور حول مقام الإمامة ، فلفظ «العهد» الوارد في جواب الباري جلّت قدرته : (لَايَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ) تشمل كلاً من «الإمامة» و «النبوّة» معاً ، لكون كلّ منهما عهداً إلهيّاً لبداهة شموله لهما كيفما فسّرناه ، وموهبة كهذه لا تكون من نصيب الظالمين كما جاء في روح البيان أيضاً : «وفي الآية دليل على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الكبائر قبل البعثة وبعدها» (٢).
* * *
في الآية الثانية يأمر الله تعالى المؤمنين كافّة بالامتثال لأوامر النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله واجتناب ما ينهى عنه ، ويحثهم على التقوى لأنّه تعالى شديد العقاب.
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
التأمّل في الآية يكشف عن أنّ المراد من : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ) ، هو كلّ أوامر النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، باعتبار أنّ نواهيه هي الطرف المقابل : (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ، ومن هنا فقد صرّح الكثير من المفسّرين بعمومية مفاد الآية (كالطبرسي في مجمع البيان ، أبي الفتوح
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ٤ ، ص ٤٨.
(٢) تفسير روح البيان ، ج ١ ، ص ٣٣٨.