وعنوان الزوجية في قوله : (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) (١) .. ونحو ذلك ، إنما تعبر عن خصوصيات اقتضتها أعمال العباد في الدنيا ، فهي بعد جعل التسبيب لها من قبل الله سبحانه ، وصيرورتها شبيهة بالأعمال التوليدية الواقعية ، يصبح حالها حال العناوين الواقعية الانتزاعية ، كعنوان الفوقية ، الذي هو عنوان واقعي ، على الإنسان أن يدركه ، من خلال ملاحظة منشأ انتزاعه في الواقع الخارجي ..
ولا توجد في الجنة قيمة ناشئة من اعتبار العقلاء ، بحيث تزول بمجرد زوال الاعتبار المذكور .. ولكن القيمة فيها ناشئة من خصوصية في ذات الأشياء ، لا من جهة مستوى الإحساس بالحاجة إليها ، بحيث تكون هي سبب الرغبة في الحصول عليها ، وبذل ما يوازيها ..
بل قيمتها تنشأ من مستوى ما تحققه من لذة ونعيم لأهل الجنة. فإن العمل والجهد ، والتضحيات في الدنيا التي دفع إليها إدراك وجود خصوصية في الأمور الأخروية ، هو الذي أهّل ذلك العامل لذلك النعيم ، وللتفضل عليه بمنازل الكرامة والزلفى ..
فالقيمة واقعية وحقيقية تكمن في تلك الخصوصية المشار إليها .. وليست ناشئة من اعتبار العقلاء ..
ولكن ثمة نقطة لا بد من لفت النظر إليها .. وهي أن الطاعة والعبادة والبذل ، وجهاد النفس ، ومخالفة الهوى في الدنيا ليس معناه أنك تعطيه لله ، ويأخذه الله منك لحاجة به إليه .. بل أنت تبذله لتكون أهلا للاستفادة من الخصوصية الكامنة في مفردات نعيم الجنة ، ولتوجد أنت تلك
__________________
(١) سورة الطور الآية ٢٠.