إليه ، الآية الكريمة : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (١) أن الملاذ والمنقذ هو الحب الإنساني ، لا الحب الغريزي والشهواني ، الذي ليس هو في الحقيقة إلا تعبيرا آخر عن الأنا الطاغي ، والمتمرد ، الذي يريد أن يستأثر باللذة ، وأن يسعد بها ، بأية قيمة وبأي ثمن.
والحب الإنساني والإيماني : لا يرضى بديلا عن أن يصبح كل من الزوجين جزءا من شخصية الطرف الآخر ، ومتمما لكيانه ، ووجوده : (مِنْ أَنْفُسِكُمْ).
ولكن : الله سبحانه لا يريد أن يوجد هذا الحب بصورة إعجازية ، وبجبرية قاهرة .. وإنما يريد لهما أن يقوما معا بتهيئة أسباب وجوده ، وموجبات نشوئه. وأن ينتجاه بصورة طبيعية ، وأن يتنامى في داخل ذاتهما ليصبح جزءا من التكوين الحقيقي لشخصيتهما الإنسانية.
وقد اعتمد من أجل تحقيق ذلك عنصر التضحية المتبادلة ، والتي تكون عن إرادة واختيار ، ومن منطلق المعرفة ، والوعي ، والإدراك لحقيقة حاجاتهما الحياتية ، في مختلف المجالات ..
فحين يشعر كل من الزوجين بضعف الطرف الآخر ، وبحاجته للمساعدة والرعاية ، فستتحرك مشاعر الرحمة فيه ، وسيدعوه ذلك لمد يد العون له. حتى إذا تكرر هذا العون والتعاهد له مرة بعد أخرى ، فإن ذلك سيجعله يتعلق به ، لأن جزءا من جهده ، ومن عرقه ، قد تجسد فيه ، وسيزداد هذا التعلق على مر الأيام تبعا لتكرر ذلك بسبب اقتضاء الطبيعة الإنسانية له ..
ولعل هذا يفسر لنا سرّ شدة تعلق الأم بطفلها ، فإن سببه هو مدى ما
__________________
(١) سورة الروم الآية ٢١.