فمثلا قوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١) .. دليل عقلي يفهمه البشر جميعا ، ويتضمن الإعجاز الذي يؤكد وجود الله سبحانه للناس كلهم .. فإن الخصوصية التي يريد الله أن يفهمها للناس ، ثابتة في كل عصر وزمان ، حتى لو لم يعد للإبل دور يذكر في حياة البشر ـ وهي خصوصية باقية يعرفها البشر جميعا ، أو يمكنهم الاطلاع عليها على مر الزمان ، وليست مرهونة بالحاجة إلى الإبل وعدمها ..
كما أنه حين بيّن في هذه السورة أن الأبرار يطعمون الطعام على حبه مسكينا ، ويتيما ، وأسيرا .. قد بدأ ببيان تفاصيل الجزاء لهم ، والذي جاء نتيجة ممارسة ، وجهد ، وحركة ، وعمل حياتي ، وعطاء منهم ..
والممارسة والجهد مرتكز إلى حوافز عقيدية ، ومنطلق من نظرة معينة للحياة ، ومن قناعات ومشاعر ، ومن تكوين نفسي ، وفكري ، له خصوصيته وفرادته .. وليس ناشئا عن حالة عفوية ، ولا مرتكزا إلى أمور خارجة عن حياة الإنسان .. بل هو تضحية متعمّدة ، يحمل معه قرارا بالتنازل عن علاقة في مقابل علاقة أخرى ..
وهذا بالذات يفسر لنا سبب بدء السورة بإعطاء تصور عن واقع ونشأة الإنسان ، وعن سيره التكاملي ، وعن إعطائه الاختيار في أن يفعل ، وأن لا يفعل ، وعن أن اختياره ، وجهده هو الذي يوصله إلى هذه النتائج في الآخرة ..
* * *
__________________
(١) سورة الغاشية الآية ١٧.