وإيّاك جوامع الأقدار ، لأتركنّك مثلا يتمثّل به النّاس أبدا ، ولأجعجعنّ بك في مناخك حتّى يحكم الله بيني وبينك وهو خير الحاكمين.
ولئن أنسأ (١) الله في أجلي لأغزينّك سرايا المسلمين ، ولانهدنّ إليك في جحفل من المهاجرين والأنصار ، ثمّ لا أقبل لك معذرة ولا شفاعة ، ولا اجيبك إلى طلب وسؤال ، ولترجعنّ إلى تحيّرك وتردّدك وتلدّدك ، فقد شاهدت وأبصرت ، ورأيت سحب الموت كيف هطلت عليك بصيّبها حتّى اعتصمت بكتاب أنت وأبوك أوّل من كفر وكذّب بنزوله ، ولقد كنت تفرّستها ، وآذنتك أنّك فاعلها ، وقد مضى منها ما مضى ، وانقضى من كيدك فيها ما انقضى ، وأنا سائر نحوك على أثر هذا الكتاب ، فاختر لنفسك ، وانظر لها وتداركها ، فإنّك إن فرّطت واستمررت على غيّك وغلوائك حتّى ينهد إليك عباد الله ، ارتجت عليك الامور ومنعت أمرا هو اليوم منك مقبول.
يا ابن حرب ، إنّ لجاجك في منازعة الأمر أهله من سفاه الرّأي ، فلا يطمعنّك أهل الضّلال ، ولا يوبقنّك سفه رأي الجهال ، فو الّذي نفس عليّ بيده! لئن برقت في وجهك بارقة من ذي الفقار ـ وهو سيف الإمام ـ لتصعقنّ صعقة لا تفيق منها حتّى ينفخ في الصّور النّفخة الّتي يئست منها( كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ ) » (٢).
حكت هذه الرسالة دعوة الإمام عليهالسلام لمعاوية بالاستجابة لنداء الحقّ ، ورضا
__________________
(١) انسأ : أي أخر.
(٢) جمهرة رسائل العرب ١ : ٤٢٤ ـ ٤٢٧. نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ٤ : ٢١٠ ـ ٢١٣.