الأرصاد والعيون ، واضطرّونا إلى جبل وعر (١) ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، وكتبوا بينهم كتابا لا يواكلوننا ، ولا يشاربوننا ، ولا يناكحوننا ، ولا يبايعوننا ، ولا نأمن فيهم حتّى ندفع النّبيّ صلىاللهعليهوآله فيقتلوه ويمثّلوا به ، فلم نكن نأمن فيهم إلاّ من موسم إلى موسم ، فعزم الله لنا على منعه ، والذّبّ عن حوزته ، والرّمي من وراء حرمته ، والقيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف باللّيل والنّهار ، فمؤمننا يرجو بذلك الثّواب ، وكافرنا يحامي عن الأصل.
فأمّا من أسلم من قريش بعد ، فإنّهم ممّا نحن فيه أخلياء ، فمنهم حليف ممنوع ، أو ذو عشيرة تدافع عنه فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التّلف ، فهم من القتل بمكان نجوة (٢) وأمن ، فكان ما شاء الله أن يكون.
ثمّ أمر الله رسوله بالهجرة ، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين ، فكان إذا احمرّ البأس (٣) ، ودعي للنّزال أقام أهل بيته فاستقدموا ، فوقى بهم أصحابه حرّ الأسنّة والسّيوف ، فقتل عبيدة (٤) يوم بدر ، وحمزة يوم احد ، وجعفر وزيد يوم مؤتة ، وأراد والله! من لو شئت ذكرت اسمه (٥) مثل الّذي أرادوا من الشّهادة مع النّبيّ صلىاللهعليهوآله غير مرّة إلاّ أنّ آجالهم عجّلت ، ومنيّته اخّرت ، والله مولى الإحسان إليهم ،
__________________
(١) الجبل الوعر : هو شعب أبي طالب ، وهو الذي سجن فيه النبيّ مع اسرته.
(٢) النجوة : المكان المرتفع.
(٣) حمر البأس : شدّة القتال.
(٤) هو الشهيد الخالد عبيدة بن الحارث الهاشمي.
(٥) يعني به نفسه الشريفة ، المناضل الأوّل عن الإسلام.