والتحم بطل الإيمان عمّار مع القوى الباغية التحاما رهيبا ، ولمّا رأى ذلك معاوية اضطرب وقال : هلكت العرب إن أخذتهم خفّة العبد الأسود يعني عمّارا ... (١).
وبينما عمّار يقاتل قتال الأبطال إذ حمل عليه رجس من أرجاس البشرية وهو أبو العادية الفزاري فطعنه طعنة قاتلة فهوى إلى الأرض ذلك الصرح الشامخ من العقيدة والإيمان يتخبّط بدمه المعطّر بالشهادة في سبيل الله تعالى.
وأضرّ العطش بعمّار وهو ينزف دما فبادرت إليه امرأة بلبن ، فلمّا رآه تبسّم وراح يقول :
قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآله : « آخر شرابك من الدّنيا ضياح من لبن ، وتقتلك الفئة الباغية ... ».
ولم يلبث قليلا حتى صعدت روحه الطاهرة إلى الله تحفّها الملائكة المقرّبون ، وقد انطوت بشهادته أروع صفحة مشرقة بالإيمان والجهاد.
لقد سمت روح عمّار إلى الله تعالى وهي تحمل جميع ألوان الجهاد والإيمان والإخلاص والحبّ لله تعالى.
وكان الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام برحا ومضطربا لم يقرّ له قرار حينما برز عمّار إلى ساحة الجهاد فكان يقول بأسى بالغ :
« فتّشوا لي عن ابن سميّة ... ».
وانطلقت فصيلة من الجيش تبحث عنه فوجدته قتيلا مضمّخا بدم الشهادة ، فانبرى بعضهم مسرعا إلى الإمام فأخبره بشهادته ، ووقع النبأ على الإمام كالصاعقة فقد انهارت قواه ، وانهدّ ركنه ، وأحاطت به موجات من الألم القاسي ،
__________________
(١) وقعة صفّين : ٣٨٤.