ومن وراء ذلك فراق ما جمع ، والسّعيد من وعظ بغيره ، فلا تحبط أبا عبد الله أجرك ، ولا تجار معاوية في باطله ... » (١).
ولم يستجب ابن العاص للإمام وكتب له الرسالة التالية :
أمّا بعد ... فإنّ ما فيه صلاحنا وإلف ذات بيننا الإنابة إلى الحقّ ، وقد جعلنا القرآن حكما بيننا فأجبنا إليه ، وصبّر الرجل منّا نفسه على ما حكم عليه القرآن ، وعذره الناس بعد المحاجزة ، والسلام (٢).
وأصرّ ابن العاص على غيّه وأطماعه ، وكتب له الإمام رسالة اخرى فأعرض عنها ، ولم يتجاوب مع الإمام ، وتمسّك بابن هند. وعلى أي حال فلم تقف محنة الإمام وبلاؤه عند هذا الحدّ من عصيان جيشه ، فقد تجاوز الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك ، فقد حيكت مؤامرة دبّرها الأشعث مع جماعة من قادة الجيش إلى انتخاب الأشعري الخامل المنافق الذي هو من ألدّ أعداء الإمام ، ومن أكثرهم حقدا عليه ، ليقوم بتنفيذ المؤامرة ، وهي عزل الإمام عن الحكم.
وأقبل الأشعث عميل الأمويّين يلهث كأنّه الكلب ، فقال للإمام :
يا أمير المؤمنين ، ما أرى الناس إلاّ قد رضوا ، وسرّهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن ، فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد ونظرت ما الذي يسأل؟
فرمقه الإمام بطرفه ، ولم يجد وسيلة لصدّه عمّا يريد ، فقال له :
« ائته إن شئت ... ».
وراح المنافق العميل يركض صوب معاوية ، فلمّا انتهى إليه قال له :
__________________
(١) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ٤ : ٢٦٨.
(٢) وقعة صفّين : ٥٦٩ ـ ٥٧١.