ليس في هذا الشرق العربي ولا في غيره من مناطق العالم وامم الأرض حاكم مثل الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام في نزاهته وعدله ، وتجرّده من جميع المحسوبيات والأطماع ، فقد كان فيما أجمع عليه المؤرّخون لم يخضع لأيّة نزعة مادية أو عاطفية ، وإنّما آثر الحقّ ورضا الله تعالى في سلوكه وجميع تصرّفاته فلم يحاب أحدا ولم يداهن أي شخص في دينه ، فقد تبنّى بصورة إيجابية العدل الخالص والحقّ المحض ، وقد جهد أن يرفع الحيف والظلم والغبن عن الناس ، ويحطّم الفوارق التي مآلها إلى التراب بين المسلمين.
وقد احتاط هذا الإمام العظيم في أموال الدولة كأشدّ ما يكون الاحتياط فلم ينفق أي شيء منها قليلا أو كثيرا إلاّ في المواقع التي عيّنها الإسلام ، لم يتاجر ولم يشتر بها العواطف والضمائر ـ كما كان يفعل معاوية ـ ولمّا آلت دولته إلى الانحلال والتمزّق أشار عليه وزيره ومستشاره حبر الامّة عبد الله بن عبّاس برأي يرجع لدولته قوّتها ، ويعيد لها نضارتها قائلا : يا أمير المؤمنين ، فضّل العرب على العجم ـ أي في العطاء والمناصب ـ وفضّل قريشا على العرب ...
كان ابن عبّاس يرى أنّ التفاضل في العطاء هو الضمان الوحيد لحماية دولة الإمام من التمزّق ، ورمق الإمام بطرفه ابن عباس ، ونفر من رأيه ، وقال له :
« يا بن عبّاس ، تريد منّي أن أطلب النّصر بالجور؟ لو كان المال لي لسوّيت بينهم بالعطاء فكيف والمال مال الله ... ».