لقد أجهد الإمام نفسه ، وحملها من أمره رهقا من أجل أن يبسط العدالة بين الناس ، ويرفع عنهم الفقر والحاجة ، ويشيع بينهم الأمن والرخاء.
يقول عبد الله بن رزين : دخلت على عليّ يوم الأضحى فقرب إلينا حريرة فقلت : أصلحك الله لو قرّبت إلينا من هذا البطّ ، فإنّ الله تعالى قد أكثر الخير؟
فقال عليهالسلام :
« يا بن رزين ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : لا يحلّ لخليفة من مال الله إلاّ قصعتان ، قصعة يأكلها هو وأهله ، وقصعة يضعها بين النّاس » (١).
لقد نقمت عليه الرأسمالية القرشية ، ونقم عليه كلّ من استسلم لدوافع المادة وشهواتها ، فوضعوا أمام حكومته الحواجز والسدود ، وعملوا جاهدين للإطاحة بدولته ، وتسليمها إلى معاوية بن أبي سفيان الذي يضمن لهم ما يريدون ويحقّق لهم ما يصبون إليه من المنافع.
ومن المؤكّد أنّ الإمام عليهالسلام كان يعلم كيف يجلب طاعة المتمرّدين ولكنّ ذلك لا يتمّ إلاّ بأن يداهن في دينه ، فيمنح الثراء العريض للوجوه والأعيان من قريش وغيرهم من وجوه العرب.
ومن الطبيعي أنّ ذلك هو الانحراف الكامل عن الحقّ ، والمتاجرة بمصالح الأمّة ، وهو ممّا يأباه ضمير الإمام الذي ربّاه النبيّ صلىاللهعليهوآله بمثله وقيمه ليكون صورة صادقة عنه.
لقد أراد الإمام أن يوزّع خيرات الله تعالى على الفقراء والبؤساء ، ولا يجعل في المجتمع أي ظلّ للحاجة والحرمان ، وممّا لا شبهة فيه أنّ هذه السياسة المشرقة لا تعيها النفوس التي ران عليها الباطل ، وعشعش فيها إبليس أمثال الأشعث بن
__________________
(١) جواهر المطالب : ٤٣.