قريش وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب من الجهد والعناء ، فقد التحم معهم في ميادين الحروب التحاما رهيبا في سبيل نشر كلمة التوحيد وحماية النبيّ العظيم من كيدهم ومكرهم.
وعلى أي حال فلندع الحديث إلى السيّدة الزكية أمّ كلثوم (١) تحدّثنا بما شاهدته من أبيها في تلك الليلة الخالدة في دنيا الأحزان ، قالت :
لمّا كانت ليلة التاسع عشر من رمضان قدّمت إلى أبي عند إفطاره طبقا فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن ، وملح جريش ، فلمّا فرغ من صلاته أقبل على فطوره ، فلمّا نظر إليه حرّك رأسه وبكى وقال :
« ما ظننت بنتا تسوء أباها كما أسأت إليّ ».
« ما ذاك؟ ».
« تقدّمين إلى أبيك إدامين في طبق واحد ، أتريدين أن يطول وقوفي بين يدي الله تعالى يوم القيامة؟ أنا أريد أن أتّبع أخي وابن عمّي رسول الله صلىاللهعليهوآله ما قدّم له إدامان في طبق واحد إلى أن قبضه الله تعالى.
يا بنيّة ، ما من رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلاّ طال وقوفه بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة ..
يا بنيّة ، إنّ الدّنيا في حلالها حساب ، وفي حرامها عقاب ، وقد أخبرني حبيبي رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّ جبرئيل نزل إليه ومعه مفاتيح كنوز الأرض ، وقال : يا محمّد ، السّلام يقرؤك السّلام ، ويقول لك : إن شئت صيّرت معك جبال تهامة ذهبا وفضّة ، وخذ مفاتيح كنوز الأرض ولا ينقص ذلك من حظّك يوم القيامة ، قال صلىاللهعليهوآله :
__________________
(١) السيّدة أمّ كلثوم هي في أغلب الظنّ سيّدة النساء السيّدة المعظّمة زينب سلام الله عليها ، وهذه كنيتها.