يا جبرئيل ، وما يكون بعد ذلك؟ قال : الموت ، فقال : لا حاجة لي في الدّنيا ، دعني أجوع يوما ، وأشبع يوما ، فاليوم الّذي أجوع فيه أتضرّع إلى ربّي ، واليوم الّذي أشبع فيه أشكر ربّي وأحمده ، فقال جبرئيل : وفّقت لكلّ خير يا محمّد! ».
ثمّ قال عليهالسلام : « يا بنيّة ، الدّار دار غرور ، ودار هوان ، فمن قدّم شيئا وجده. يا بنيّة ، لا آكل شيئا حتّى ترفعي أحد الإدامين » ، فلمّا رفعته أكل قرصا واحدا بالملح الجريش ، ثمّ حمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثمّ قام إلى صلاته فصلّى ، ولم يزل راكعا وساجدا ومبتهلا ومتضرّعا إلى الله سبحانه ، ويكثر الدخول والخروج ، وهو ينظر إلى السماء وهو قلق ، ثمّ قرأ سورة « يس » حتى ختمها ، ثمّ رقد هنيهة ، وانتبه مرعوبا ، وجعل يمسح وجهه بثوبه ، ونهض قائما على قدميه وهو يقول : « اللهمّ بارك لنا في لقائك ».
ويكثر من قول : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ، ثمّ صلّى حتّى ذهب بعض الليل ، ثمّ جلس للتعقيب ، ثمّ نامت عيناه ، ثمّ انتبه مرعوبا ، وجمع أولاده فقال لهم :
« في هذا الشّهر تفقدوني ، إنّي رأيت رؤيا هالتني ... ».
« ما رأيت؟ ».
« رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله في منامي وهو يقول : يا أبا الحسن ، إنّك قادم إلينا عن قريب ، يجيء إليك أشقاها فيخضّب شيبتك من أمّ رأسك ، وأنا مشتاق إليك ، وإنّك عندنا في العشر الأواخر من شهر رمضان ... ».
فضجّ أبناؤه بالبكاء ، فأمرهم بالخلود إلى الصبر وطاعة الله ، ولم يزل تلك الليلة قائما وقاعدا وراكعا وساجدا ، ويخرج ساعة بعد ساعة ، يقلب طرفه في السماء ، وينظر في الكواكب وهو يقول :