« ما كذّبت ولا كذّبت ، إنّها اللّيلة الّتي وعدت بها ».
ثمّ يعود إلى مصلاّه وهو يقول : « اللهمّ بارك لي في الموت » ، ويكثر من قول :
« لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم » ، ويصلّي على النبيّ كثيرا.
قالت أمّ كلثوم : قلت له : « يا أبتاه ، ما لي أراك هذه اللّيلة لا تذوق طعم الرقاد؟ ».
فأجابها الإمام : « يا بنيّة ، إنّ أباك قتل الأبطال ، وخاض الأهوال ، وما دخل الخوف جوفه ، وما دخل في قلبي رعب أكثر ممّا دخله اللّيلة ... ».
ثمّ قال : « إنّا لله وإنّا إليه راجعون » ، وفزعت السيّدة أمّ كلثوم ، وقالت له بنبرات مشفوعة بالبكاء :
« ما لك تنعى نفسك منذ اللّيلة؟ ».
« يا بنيّة ، قد قرب الأجل وانقطع الأمل ... ».
واستولى الأسى والحزن على أمّ كلثوم ، وغرقت بالبكاء ، وأخذ يهدّىء لوعتها قائلا : « يا بنيّة ، إنّي لم أقل ذلك إلاّ بما عهد إليّ النبيّ صلىاللهعليهوآله » (١). هذا بعض ما حدّثت به السيّدة أمّ كلثوم من الأحداث المفزعة التي رافقت اغتيال أبيها.
وأقبل الإمام في غلس الليل البهيم على الدعاء والابتهال إلى الله تعالى ، ففي ظلام ذلك الليل الذي دام على البؤساء والمحرومين ، قام الإمام فأسبغ الوضوء ، وتهيّأ إلى الخروج إلى بيت الله ليؤدّي صلاة الصبح ، فلمّا بلغ صحن الدار كانت فيه وزّ أهديت إلى الإمام الحسن عليهالسلام فصحن في وجهه الشريف منذرة بالخطر العظيم الذي سيعصف بالشرق العربي ، وسائر الوطن الإسلامي ، ويحوّله إلى ركام ،
__________________
(١) بحار الأنوار ٤٢ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠.