وتنبّأ الإمام عليهالسلام بنزول الرزء القاصم فقال : « لا حول ولا قوّة إلاّ بالله تعالى ، صوائح تتبعها نوائح » (١) ، إنّ تلك الصوائح التي انطلقت من الطيور تحوّلت إلى عويل ، وصراخ اليتامى والمساكين ، فقد فقدوا من كان يرعاهم ويعطف عليهم ، وراح الإمام يوصي ابنته برعاية تلك الطيور قائلا :
« يا بنيّة ، بحقّي عليك إلاّ ما أطلقتها ، فقد حبست ما ليس له لسان ، ولا يقدر على الكلام إذا جاع أو عطش ، فأطعميها واسقيها وإلاّ خلّي سبيلها تأكل من حشائش الأرض » (٢).
وأقبل الإمام على فتح الباب فعسر عليه فتحها لأنّها كانت من جذوع النخل ، وعالجها حتى فتحها فانحلّ مئزره فشدّه وهو يقول :
« اشدد حيازيمك
للموت |
|
فإنّ الموت
لاقيكا |
ولا تجزع من
الموت |
|
إذا حلّ بواديكا |
كما أضحكك
الدّهر |
|
كذاك الدّهر
يبكيكا » |
وفزع الإمام الحسن كأشدّ ما يكون الفزع من حالة أبيه فسارع إليه قائلا :
« ما أخرجك في هذا الوقت؟ ».
« رؤيا رأيتها في هذه اللّيلة هالتني ».
« خيرا رأيت ، وخيرا يكون ، قصّها عليّ ».
« رأيت جبرئيل قد نزل من السّماء على جبل أبي قبيس ، فتناول منه حجرين ، ومضى بهما إلى الكعبة ، فضرب أحدهما بالآخر ، فصارا كالرّميم ، فما بقي بمكّة
__________________
(١) مروج الذهب ٢ : ٢٩١.
(٢) بحار الأنوار ٤٢ : ٢٧٨.