وتوضيحه : لو قال المولى «آمرك باكرام الفقيه أو أكرم الفقيه» وورد على لسان المولى أيضا «لا يجب إكرام العالم» ، الأعم من الفقيه وغير الفقيه. فإن هذين الدليلين بينهما تعارض بدوي ، لأن قوله «أكرم الفقيه» ظاهر في وجوب إكرام الفقيه ، وقوله «لا يجب إكرام العالم» دال بعمومه وإطلاقه على عدم وجوب إكرام الفقيه لأن الفقيه هو أيضا أحد العلماء ، فلا بأس بترك إكرامه. ومقتضى الجمع العرفي بين هذين الدليلين ، هو جعل الخاص قرينة على العام ، ويخصّص العام بالخاص ، لأن الخاص بحسب الفهم العرفي يصلح أن يكون قرينة على العام فيخصصه ، وأمّا العام فلا يصلح بحسب هذا الفهم أن يكون قرينة على الخاص ، إذن فترفع اليد عن عموم العام ويلتزم بالتخصيص ونتيجة ذلك ، أن الفقيه يجب إكرامه ، وغير الفقيه من العلماء لا بأس بترك إكرامه ، هذه نتيجة الجمع الدلالي بين هذين الدليلين.
وهذا الجمع إنما يتم بناء على أن يكون الوجوب مدلولا لفظيا للخطاب إمّا بالوضع أو بمقدمات الحكمة وأمّا بناء على أن يكون الوجوب ليس مدلولا للفظ ، وأن الأمر مادة وصيغة لا يدل على الوجوب أصلا ، وإنما يدل على جامع الطلب ، فعلى هذا ، إذن لا تعارض بين الدلالتين فإن دلالة «أكرم الفقيه» هي جامع طلب الإكرام المناسب للوجوب والاستحباب ، ودلالة «لا يجب إكرام العالم» هي نفي الوجوب فقط ، إذن فلا تعارض بين الدلالتين حتى يصل الأمر إلى الجمع الدلالي ، وتقديم القرينة على ذي القرينة. بل يوجد في المقام حكم العقل بلزوم الامتثال ، ومن الواضح أن حكم العقل هذا معلّق على عدم صدور الترخيص من قبل المولى ، والعام ترخيص من قبله ، فيكون عموم العام واردا على حكم العقل ورافعا لموضوعه ، فلم يبق للعقل حكم بوجوب الإطاعة ، ويبقى عموم الترخيص من قبل المولى بلا معارض ، لأن المفروض أن «أكرم الفقيه» لا يدل على الوجوب فيكون مقتضى القاعدة حينئذ ، هو تقديم عموم الدال على الترخيص على دلالة الأمر على الوجوب ، مع أن هذا لا يلتزم به عادة في الفقه ، وليس ذلك إلّا للارتكاز العرفي والفقهي بأن دلالة الأمر على الوجوب ليس من باب حكم العقل ، بل هي دلالة لفظية ، ولهذا