وبهذا يظهر ، أنّ جواز البدار الوضعي في الصورة الثالثة ، يعاكس جواز البدار التكليفي في نفس الصورة ، بمعنى أنه ، إن ثبت في هذه الصورة ، أن الصلاة الجلوسية مفوّتة لبعض الملاك مطلقا حتى لو أتي بها في أول الوقت ، إذن فيجوز البدار وضعا ولا يجوز تكليفا.
وإن كانت مفوّتة لبعض الملاك ، على تقدير عدم الإتيان بها في أول الوقت إذن لا يجوز البدار وضعا في أول الوقت لكن يجوز تكليفا إذ لا تكون حينئذ مفوتة.
لكن قد يقال ، إن عدم الجواز التكليفي يستلزم عدم الجواز الوضعي ، فإذا كانت الصلاة الجلوسية وافية ببعض الملاك ومفوتة للبعض الآخر مطلقا حتى في أول الوقت ، فلا يجوز البدار وضعا ولا تكليفا ، لأن النهي عن العبادة يستدعي فسادها ، فحينما يثبت عدم الجواز التكليفي يستدعي البطلان أيضا.
وتحقيق الكلام في ذلك هو : أنه إن كان تفويت الجزء المهم من غرض المولى بملاك المضادة بينه وبين الفعل الجلوسي ، بحيث كانا ضدين ، فلا موجب لتعلق النهي بهذا الفعل ، لأن الأمر بأحد الضدين الوجوديين لا يقتضي النهي عن ضده الآخر حتى يقتضي البطلان ، غايته ، أن العقل يرشد إلى أنه ، متى ما اشتغلت بهذا الضد لفاتك الضد الواجب الذي هو غرض المولى ، فيكون المنع عقليا لا شرعيا ، فلا يقتضي البطلان.
وإن كان التفويت بملاك المانعيّة ، باعتبار أن الفعل الجلوسي مانع عن حصول الجزء الأهم من الغرض ، ومن الواضح أن عدم المانع من المقدمات ، فحينئذ ، يصبح عدم الفعل الجلوسي من المقدمات ، فإن بنينا على إنكار المبغوضيّة والمحبوبية المقدميّة ، فأيضا لا إشكال من هذه الناحية ، وإن سلّمنا بالمبغوضيّة والمحبوبية المقدميّة ، ولكن قلنا أن المبغوضيّة المقدميّة الغيرية لا تصلح للنهي الغيري ، فلا بطلان فكذلك لا إشكال ، وإنما ينحصر الإشكال ، فيما إذا كان تفويت الفعل الجلوسي للجزء المهم من الغرض بملاك المانعيّة ،