ويحتمل : إن كان هذا فى رسول دون رسول ، على ما قاله بعض أهل التأويل : أنه فلان. وليس لنا إلى معرفة ذلك سبيل إلا من جهة السمع ، ولا حاجة إلى معرفته.
[وفى قوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ..). الآية](١).
وفى قوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) [التوبة : ١٦].
وفى قوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : ١٤٢] ، وجه آخر ، وهو أنهم ـ والله أعلم ـ ظنوا لما أتوا بالإيمان أن يدخلوا الجنة ، ولا يبتلون بشيء من المحن والفتن ، وأنواع الشدائد ، فأخبر الله عزوجل أن فى الإيمان المحن والشدائد لا بد منها ، كقوله عليهالسلام : «حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات» (٢). والله أعلم.
وكقوله : (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت :
١ ، ٢] ، ولأن الإيمان من حيث نفسه ليس بشديد ؛ لأنه معرفة حق وقول صدق ، ولا فرق بين قول الصدق وقول الكذب ، ومعرفة الحق ومعرفة الباطل فى احتمال المؤن ، والإيمان : مخالفة الهوى والطبع ، وذلك فى أنواع المحن. والله أعلم.
وقوله : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).
فظاهر هذا السؤال (٣) لم يخرج له الجواب ؛ لأن السؤال «عما ينفق» ، فخرج الجواب «على من ينفق» ، غير أنه يحتمل أن يكون (ما ذا) بمعنى (من) ، وذلك مستعمل فى اللغة ، غير ممتنع.
ويحتمل : أن يكونوا سألوا سؤالين :
أحدهما : عما ينفق؟
والثانى : على من ينفق؟ فخرج لأحدهما الجواب على ما كان من السؤال : «على من ينفق» ، ولم يخرج جواب ما كان من السؤال : «عما ينفق». وهذا أيضا جائز ، كثير فى القرآن : أن يكثر الأسئلة ، ويخرج الجواب لبعض ولم يخرج لبعض ، ويكون جواب
__________________
(١) سقط فى ط.
(٢) أخرجه البخارى (١١ / ٣٢٧) كتاب الرقاق : باب حجبت النار بالشهوات (٦٤٨٧) ، ومسلم (٤ / ٢١٧٤) كتاب الجنة : وصفة نعيمها (١ / ٢٨٢٢ ـ ٢٨٢٣).
(٣) فى ط : القول.