والحبس ، فإن نفع ذلك ، وإلا بكف شره عن غيره وتطهير الأرض منه ؛ فإنه النهاية في القمع ، والغاية فيما يحق من معاملة السفهاء ، والله أعلم.
لكنه على منازل لا يحتمل انتهاء كل أنواع المآثم إلى هذه الغاية ؛ بل فيها ما كان أعظمها دون هذا بكثير ـ والله أعلم ـ لذلك يلزم تعرف مقادير الآثام أولا ؛ ليعرف بها ما يحتمل كل إثم من العقوبة فيه والزجر به ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) :
لأنه لا يحب الظلم.
قوله تعالى : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ)(٦٣)
وقوله : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ) ، قيل (١) : ذلك الذي ذكر في هذه الآية : نتلو عليك يا محمد.
(مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ)
هو (٢) المحكم ، وقيل : (الْحَكِيمِ) ، أي : من نظر فيه وتفكر يصير حكيما ؛ كما قال : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [يونس : ٦٧] ، أي : يبصر فيه ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) :
قيل في القصّة : إن نصارى من أهل نجران (٣) قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا له : إنك تشتم صاحبنا عيسى بن مريم ، تزعم أنه عبد ، وهو يحيى الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويخلق من الطين كهيئة الطير فيطير ، فأرنا فيما خلق الله عبدا مثله يعمل
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي (٨ / ٦٥ ـ ٦٦).
(٢) في ب : قيل : الحكيم : هو.
(٣) نجران بالفتح ثم السكون وآخره نون ، وهو في عدة مواضع ؛ منها : نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة ، وبها كان خبر الأخدود ، وإليها تنسب كعبة نجران ، وكانت ربيعة بها أساقفة مقيمون ، منهم السيد والعاقب اللذين جاءا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم في أصحابهما ، ودعاهم إلى المباهلة ، وبقوا بها حتى أجلاهم عمر ـ رضي الله عنه.
ينظر : مراصد الاطلاع في أسماء الأماكن والبقاع ، لصفي الدين البغدادي (٣ / ١٣٥٩).