ثم فيه دلالة أن الرجل قد يدرس ويعلّم آخر بما لا يفقه ولا يعلم ، معناه : إلا كل من يدرس شيئا أو يعلّم آخر يكون فقيها فيه ، ويعرف ما أودع فيه من المعنى.
وفيه دلالة جواز الاجتهاد ؛ لأنه إنما يوصل إلى ما فيه من المعنى والفقه بالاجتهاد ، والله أعلم.
وقوله : (وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً)
اختلف فيه ؛ قيل : ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة أربابا ؛ لأنهم يقولون : إن الله أمرهم بذلك ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨].
وقيل : إن عيسى وعزيرا ومن ذكر لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا من دون الله ، وقد عصمهم الله بالنبوة.
وقوله : (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ :)
يحتمل وجوها :
يحتمل : أيأمركم الله بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون له بالخلقة ؛ لما يشهد خلقة كل أحد على وحدانيته ؛ كقوله : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران : ٨٣].
ويحتمل : (بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، أي : أسلموا له ، وأقروا به مرة ، ثم كفروا بعد ما كانوا مخلصين له بالتوحيد.
ويحتمل قوله : (بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) : بعد إذ دعاكم إلى الإسلام فأجاب بعضكم (١).
قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(٨٣)
__________________
ـ والقيام بأمور الرعية وما يصلحهم في دنياهم ودينهم. ينظر : جامع البيان (٦ / ٥٤٣ ـ ٥٤٤) ..
(١) في هذه الآية أعظم باعث لمن علم على أن يعمل ، وأن من أعظم العمل بالعلم تعليمه والإخلاص لله ، سبحانه. والدراسة : مذاكرة العلم والفقه ؛ فدلت الآية على أن العلم والتعليم والدراسة توجب كون الإنسان ربانيّا ؛ فمن اشتغل بها ، لا لهذا المقصود ، فقد ضاع سعيه وخاب علمه ، وكان مثله مثل من غرس شجرة حسناء مونقة بمنظرها ولا منفعة بثمرها ؛ ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : نعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع. ينظر : الرازي (٨ / ٩٩).
ينظر : محاسن التأويل (٤ / ١٢٠).
والحديث أخرجه مسلم (٧٣ ـ ٢٧٢٢) من حديث زيد بن أرقم مطولا ، وفيه : «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع».