ولم يتب البعض (١) ؛ فنزل قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) الآية.
وفي الآية دلالة قبول توبة المرتدين (٢) ؛ لأن قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) الآية ـ قيل في القصّة.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٩١) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٩٢)
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً [لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) الآية :
اختلف فيه ، قيل : قوله : (كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا)](٣) ، أي : ماتوا على ذلك ، فذلك زيادتهم الكفر.
وقيل : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) : بعيسى بعد الإيمان بالرسل جميعا ، ثم ازدادوا كفرا : بمحمد صلىاللهعليهوسلم (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) ، قيل : لن تقبل توبتهم التي تابوا مرة ثم تركوها (٤).
وقيل : (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) التي أظهروا باللسان ، وما كان ذلك في قلوبهم ، أي :
__________________
(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٦ / ٥٧٢ ، ٥٧٣) ، برقم (٧٣٦٠ ـ ٧٣٦٢) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٣٨٢) (٩١٤) عن ابن عباس ، وعن مجاهد بن جبر أخرجه ابن جرير برقم (٧٣٦٣) ، وعن السدي برقم (٧٣٦٤) أخرجه ابن جرير عنه وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٨٧) وزاد نسبته لابن المنذر.
(٢) المرتدون : جمع مرتد. والردة في اللغة : هي الرجوع عن الشيء إلى غيره. يقال : رددت الشيء ردّا ، وسمي المرتد بذلك ؛ لأنه رد نفسه إلى كفره. وارتد عنه : تحول ، وفي القرآن الكريم : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) [البقرة : ٢١٧].
وفي الاصطلاح :
عرفها الحنفية بأنها : عبارة عن الرجوع عن الإيمان.
وعرفها المالكية بأنها : كفر المسلم بقول صريح ، أو بلفظ يقتضيه ، أو بفعل يتضمنه.
وعرفها الشافعية بأنها : قطع الإسلام من مكلف.
وعرفها الحنابلة بأنها : اسم من الارتداد ، والمرتد مشتق من الارتداد ، والمرتد هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر.
ينظر : الصحاح (٢٣٩) (ردد) ، لسان العرب (٣ / ١٦٢١) (ردد) ، ومجمل اللغة لابن فارس (١ / ٣٧٢) ، وجمهرة اللغة لابن دريد (١ / ٧٢) ، وبدائع الصنائع للكاساني (٧ / ١٣٤) ، وفتح القدير لابن الهمام (٦ / ٦٨) ، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (٤ / ٣٠١) ، ومنح الجليل للشيخ عليش (٩ / ٢٠٥) ، والمنهاج مع مغني المحتاج للنووي (٤ / ١٣٣ ، ١٣٤) ، وروضة الطالبين للنووي (١٠ / ٦٤ ، ٦٥) ، والمغني لابن قدامة (٨ / ١٢٣ ـ ١٢٥).
(٣) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٤) أخرجه ابن جرير (٦ / ٥٧٨ ، ٥٧٩) برقم (٧٣٧٣) ، (٧٣٧٥) ، وابن أبي حاتم في تفسيره (٢ / ٣٨٧) برقم (٩٣٢) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٨٨).