يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأمرنا به ولا ينهانا (١).
وأصل هذا أنه كان يصام ، لو كان ابتداء الآية عليه بحق الفرض فأبدل ذلك بصوم الشهر ، فارتفعت عنه الفرضية على ما إذا كان يخرج منه بالفداء لم يكن معه فرضية القضاء ، وبقى الفصل فيه ؛ النسخ لم يكن من حيث نفس الصوم ، إذ مثله من النسخ يكون بغير الصوم ولا يصوم. فثبت أنه فى نسخ الفرضية. فبقى فيه حق الأدب والفضل ، وتبين النسخ الصوم إذ مثله ، وإن ذلك غير صوم الشهر الذكر فى صوم الشهر بقوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ..). الآية إذ ذلك كان غير موضع الشهر ، ولو كان الكل واحدا لكان الذكر فى موضع منه كافيا عن الإعادة ؛ فثبت أنه على تناسخ الصيام. وقد روى [عن] معاذ (٢) ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : «أحيل الصيام ثلاثة أحوال» (٣). وبين الخبر على وجهه فى ذلك.
ويحتمل : أن يكون المراد منه صوم الشهر ، ويكون تكرار الذكر فى الرخصة لمكان رفع الفداء ، أو لمكان ذكر حق الامتنان بالتيسير ، أو التحريض على حفظ العدد. والله الموفق.
وأى ذلك كان؟ فليس بنا حاجة إلى معرفة حقيقة ذلك ؛ لأن كيفية الابتداء لم تكلف ،
__________________
(١) أخرجه مسلم (٢ / ٧٩٤ ـ ٧٩٥) كتاب الصيام ، باب صوم يوم عاشوراء (١٢٥ / ١١٢٨) ، وأحمد (٥ / ٩٦ ، ١٠٥) ، وابن خزيمة (٢٠٨٣) عن جابر بن سمرة قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهانا ولم يتعاهدنا عنده.
(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ ـ بمعجمة آخره ـ ابن عدى بن كعب بن عمرو بن آدى بن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن تريد ـ بمثناة ـ ابن جشم بن الخزرج الأنصارى الخزرجى أبو عبد الرحمن المدنى ، أسلم وهو ابن ثمانى عشرة سنة ، وشهد بدرا والمشاهد له مائة وسبعة وخمسون حديثا ، اتفقا على حديثين ، وانفرد «البخارى» بثلاثة ، و «مسلم» بحديث ، وعنه ابن عباس وابن عمر ومن التابعين عمرو بن ميمون وأبو مسلم الخولانى ومسروق وخلق ، وكان ممن جمع القرآن. قال النبى صلىاللهعليهوسلم : «يأتى معاذ يوم القيامة أمام العلماء». وقال ابن مسعود : كنا نشبهه بإبراهيم عليهالسلام وكان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ، توفى فى طاعون عمواس سنة ثمانى عشرة وقبر ببيسان فى شرقيه. قال ابن المسيب : عن ثلاث وثلاثين سنة ، وبها رفع عيسىعليهالسلام.
ينظر : تهذيب الكمال (٣ / ١٣٣٨) ، وتهذيب التهذيب (١٠ / ١٨٦) (٣٤٧) ، وتاريخ البخارى الكبير (٧ / ٣٥٩) ، والثقات (٣ / ٣٦٨) ، وأسد الغابة (٣ / ١٠٥) ، وطبقات الحفاظ (٦ / ٢٤) ، وتجريد أسماء الصحابة (٢ / ٨٠) ، والاستيعاب (٣ / ١٤٠٢).
(٣) أخرجه أبو داود (١ / ١٩٤) ، كتاب الصلاة ، باب كيف الأذان (٥٠٧) ، وأحمد (٥ / ٢٣٣ ، ٢٤٦) ، وابن خزيمة (٣٨١) ، وابن جرير (٢٧٤٠) ، وابن المنذر ، وابن أبى حاتم والحاكم وصححه البيهقى فى سننه كما فى الدر المنثور للسيوطى (١ / ٣٢٢).