والرفعة ، ومن كان وجيها في الدنيا والآخرة فهو مقرب فيهما.
وقوله : (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) :
عرفت مريم أن الولد يكون بمسّ البشر ، وعلمت ـ أيضا ـ أنها لا تتزوج ، ولا يمسّها بشر أبدا ؛ لأنها قالت : (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) فإن لم يكن مسها أحد قبل ذلك ، فلعله يمسّها في حادث الوقت ؛ فيكون لها منه الولد ، فلما لم يقل لها يمسسك ؛ ولكن قال : (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) دل ذلك أنها علمت أنها لا تتزوج أبدا ؛ لأنها كانت محررة لله ، مخلصة له في العبادة ، والله أعلم.
ويحتمل قوله : (أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ)
أي : من أي وجه يكون لى ولد بالهبة ؛ لأنها بشرت أن يهب لها ولدا ، فقالت : من أي وجه يكون لي ولد بالهبة ، (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)؟
ثم قال : (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) تأويله : ما ذكر في سورة مريم حيث قالت : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) الآية [مريم : ٢٠] الآية ، ثم قال : (كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) [مريم : ٢١] أي : خلق الخلق علىّ هين : بأب ، وبغير أب ، وبمسّ بشر ، وبغير مسّ (١) ، [وبسبب ، وبغير سبب ؛ على ما خلق آدم بغير أب ولا أم ؛ فعلى ذلك يخلق بتوالد بعض من بعض ، وبغير توالد بعض من بعض](٢) ؛ كخلق الليل والنهار ، يخلق بلا توالد أحدهما من الآخر ؛ فكذلك يخلق لك ولدا من غير أب ولا مسّ بشر ، وبالله الحول والقوة.
وقوله : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) :
أي : إذا قضى أمرا بتكوين أحد ، أو بتكوين ـ فإنما يقول له : كن ، لا يثقل عليه ، ولا يصعب خلق الخلق وتكوينهم ؛ كقوله : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) [لقمان : ٢٨] أي : خلق الخلق كلهم ابتداء ، وبعثهم بعد الموت ـ كخلق نفس واحدة ؛ أن يقول : (كُنْ فَيَكُونُ) ؛ وإنما يثقل ذلك على الخلق ويصعب ؛ لموانع تمنعهم وأشغال تشغلهم ، فأمّا الله ـ سبحانه وتعالى ـ عن أن يشغله شغل ، أو يمنعه مانع ، أو يحجب عليه حجاب.
وقوله : (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) :
ذكر ـ والله أعلم ـ هذا الحرف ؛ لأنه ليس في كلام العرب حرف أو جزء منه يعبر فيفهم معناه ، لا أن كان منه ـ عزوجل ـ كاف أو نون ، أو حرف ، أو هجاء ، أو صفة
__________________
(١) في ب : مس بشر.
(٢) ما بين المعقوفين سقط من ب.