مسلما تقيّا برّا بكافر ، إذ الإسلام يطهره. ولم يقتل مسلما فاسقا ارتكب الكبيرة بالكافر ، إذ القتل يفسقه.
والمسلم أحق أن يقتل بالكافر من الكافر بالمسلم. وذلك أن المسلم هتك حرمة الإسلام بقتل الكافر ؛ لأنه اعتقد باعتقاد دين الإسلام حرمة دم الذمى ، وهو بقتله كمستخف بمذهبه.
وأما الذمى فإنه لا يعتقد باعتقاد مذهبه حرمة دماء أهل الإسلام ، فهو ليس بقتل المسلم كمستخف بمذهبه ، والمسلم كمستخف بدينه (١) ، على ما ذكرنا. لذلك كان أحق بالقصاص من الكافر.
ألا ترى أن من قتل فى الحرم قتل به ؛ لأنه هتك حرمة الحرم كالمستخف به.
وإذا قتل خارجا منه ، ثم التجأ إليه ، لم يقتل به حتى يخرج منه ؛ لأنه ليس كمستخف له ، والأول مستخف ؛ لذلك افترقا. فكذلك الأول. والله أعلم.
والخبر عندنا يحتمل وجهين :
أحدهما : قيل : إن قوما قتل بعضهم بعضا فى الجاهلية ، فأسلم بعضهم ، فأراد أولئك أن يأخذوا من أسلم منهم بالقصاص ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يقتل مسلم بكافر» ، كما قال : «كل دم كان فى الجاهلية فهو موضوع تحت قدمى هذا» (٢).
والثانى : أنه أراد بالكافر المستأمن ؛ لأنه قال : «لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد فى عهده». فنسق قوله : «ذو عهد» على المسلم ، فكان معناه : لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد به. فكل كافر لا يقتل به ذو عهد فى عهده لم يقتل به المسلم. فالذمى يقتل به ذو العهد ، لذلك يقتل به المسلم. والمسلم إذا قتل مستأمنا لم يقتل به. وكذلك الذمى. فدل
__________________
(١) فى ب : بمذهبه.
(٢) أخرجه أبو داود (٤ / ٧١١) كتاب : الديات ، باب : فى دية الخطأ شبه العمد ، حديث (٤٥٨٨) ، وابن ماجه (٢ / ٨٧٧) كتاب : الديات ، باب : دية شبه العمد ، حديث (٢٦٢٧) ، والنسائى (٨ / ٤١) كتاب : القسامة ، باب : دية شبه العمد ، وابن الجارود فى المنتقى رقم (٧٧٣). والبخارى فى التاريخ الكبير (٦ / ٤٣٤) ، والدار قطنى (٣ / ١٠٤) كتاب : الحدود والديات وغيره ، حديث (٧٨) ، وابن حبان (١٥٢٦ ـ موارد) ، والبيهقى (٨ / ٤٤) كتاب : الجنايات ، باب : دية شبه العمد ، كلهم من طريق خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا إن كل مأثرة كانت فى الجاهلية تعد وتدعى من دم أو مال تحت قدمى إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت» ، ثم قال : «ألا إن دية الخطأ ما كان بالسوط أو العصا مائة من الإبل ، منها أربعون فى بطونها أولادها» ، صححه ابن حبان.
قلت : وأصله فى صحيح مسلم (١٤٧ / ١٢١٨) عن جابر بن عبد الله فى سياق طويل.