توضيح ذلك : ان لفظة (لا) نفي الجنس حقيقة في نفي الذات نحو (لا رجل في الدار) مثلا أي ليس الرجل فيها ، ومجاز في نفي الصحة وفي نفي الفائدة ، وفي نفي الكمال ، وفي أمثال هذا التركيب لا يمكن نفي الذات حقيقة ، لأن الصلاة بلا طهور وبلا فاتحة الكتاب صلاة في الجملة على قول الأعمّي ، فلا يمكن نفي الذات. نعم يمكن نفي الذات على قول الصحيحي.
وعليه ، فاذا تعذرت الحقيقة وتعددت المجازات من نفي الصحة ومن نفي الكمال ومن نفي الفائدة فيكون أقرب المجازات إلى الحقيقة أولى بالإرادة. ومن المعلوم ، ان نفي الصحة أقرب إلى نفي الذات من نفي الكمال والفائدة إذ ما لا يصح يكون كالعدم وكالمنفي ذاتا في نظر الشارع المقدّس في عدم الجدوى والفائدة.
بخلاف غير الكامل فرب شيء غير كامل يكون ذات فائدة ، كصلاة جار المسجد في غير المسجد. فاذا كان نفي الصحة أقرب المجازات إلى الحقيقة كان الكلام الذي فيه نفي الجنس ظاهرا في نفي الصحة فلا اجمال أيضا.
قوله : ولا يذهب عليك ان اثبات الاجمال أو البيان ...
أي لا يخفى عليك ان الاجمال راجع إلى عدم الظهور ، والبيان إلى الظهور ، ولا ريب ان الظهور وعدمه من الوجدانيات التي لا يرجع فيها إلّا إلى الوجدان نظير (الجوع والعطش والشبع والريّ والفرح والحزن و ...).
وفي ضوء هذا فلا نحتاج في اثبات الاجمال أو اثبات البيان والتبيين إلى تجشم الاستدلال وإقامة البرهان ، لأنهما من الوجدانيات فكل من راجع إلى وجدانه يجد الاجمال أو البيان وليسا من قبيل الاشياء النظرية التي نحتاج في اثباتها إلى تجشم الاستدلال والاحتجاج وإلى إقامة البرهان كحدوث العالم مثلا :
قوله : فتأمل ...
اشارة إلى ان سوق البرهان لاثباتهما انما يكون لتنبيه النفس على ما هو ثابت بالوجدان فلا تنافي حينئذ بين كونهما من الوجدانيات وبين إقامة البرهان