وكاد النصر يتم للمسلمين نهائيا لولا أن الرماة الحارسين لظهور المسلمين خالفوا أمر النبي صلىاللهعليهوسلم وآثروا الفانية على الباقية وانحدروا يجمعون الغنائم والأسلاب وتنازعوا في ذلك ولم يبق منهم إلا قليل.
فتنبه خالد بن الوليد ومن معه وانقضوا على المسلمين كالصاعقة وأشرعوا سيوفهم ورماحهم ، ودارت الدائرة على المسلمين وانفرط عقدهم وسمع مناد ينادى : إن محمدا قد قتل ، فأسرع المشركون واهتبلوا تلك الفرصة واختلط الأمر على المسلمين حتى صار يضرب بعضهم بعضا وولوا هاربين في الجبل ، والرسول يدعوهم في أخراهم ويقول : «إلىّ عباد الله إلىّ عباد الله أنا رسول الله». (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) وصار أبو سفيان يقول : يا معشر قريش أيكم قتل محمدا؟ فقال عمر بن قميئة : أنا قتلته.
وقد نجى الله رسوله ، وكان النبل يأتيه من كل جانب ، ولكن الله يعصمه من الناس ، وكان أول من بشر بنجاته كعب بن مالك.
وقد أصيب رسول الله يوم أحد فكسرت رباعيته وشج وجهه حتى غاب حلق المغفر في وجنتيه وأصيبت ركبتاه.
وكان سالم مولى أبى حذيفة ـ رضى الله عنه ـ يغسل الدم عن وجه الرسول وهو يقول صلىاللهعليهوسلم : «كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم؟ وهو يدعوهم إلى الله ـ عزوجل ـ؟» فنزل : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ).
ورأى صلىاللهعليهوسلم سيف علىّ مختضبا فقال : إن كنت أحسنت القتال فقد أحسن عاصم ابن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسيف أبى دجانة غير مذموم : ولا تنس الحباب بن المنذر وشماس بن عثمان وغيرهم ممن أبلوا بلاء حسنا.
ولم يقتل صلىاللهعليهوسلم في حياته سوى أبىّ بن خلف أحد الذين تعاقدوا على قتل النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفيه نزلت آية : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى). [سورة الأنفال آية ١٧].
وفيها قتل من المسلمين سبعون منهم حمزة سيد الشهداء وحبيب رسول الله ، وقد بكى عليه النبي صلىاللهعليهوسلم مرارا.