وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١) قل لهم : الله ينجيكم من هذه الأهوال ، ومن كل كرب وغم ثم أنتم بعد هذا تشركون بالله غيره ، ومن هنا نفهم أن الإنسان بطبيعته يلجأ إلى الله في الشدة والمكروه ، وفي النجاة ينسى نفسه ويعود إلى جهله.
قل لهؤلاء المشركين : الله هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا لا يعرف كنهه ولا يقف على حقيقته إلا الله ـ سبحانه وتعالى ـ ينزل عليكم من فوقكم كالرجم بالحجارة والآفات أو يصعد إليكم من تحتكم كالزلازل والبراكين والخسف المعهود في الأمم السابقة ، أو يخلط أمركم عليكم خلط اضطراب واختلاف ، حتى تكونوا فرقا وشيعا ، وأحزابا وجماعات ، كل فرقة لها اتجاه خاص ، تتقاتلون وتتحاربون ، ويذيق بعضكم بأس بعض ، حتى يقتل بعضكم بعضا.
وعن ابن عباس : المراد بمن فوقكم في الآية : أمراؤكم ، ومن تحت أرجلكم ، أى : عبيدكم وسفلتكم.
انظر يا من يتأتى منه النظر كيف نصرف الآيات ونقلبها على وجوهها المختلفة ، لعلهم بهذا يفقهون الحق ويدركون السر ، ولا شك أن التنويع في الآراء وطرق الأبواب في الحجج ، سبيل إلى الفهم وإدراك الحقائق ، ولكن عند من ينظر النظر البريء الخالي من الحجب الكثيفة الموروثة كالتقليد الأعمى.
وقد كذب بالقرآن قومك ، وهو الذي لا شك فيه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد.
قل لهم : لست عليكم بوكيل. (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) (٢) لكل نبأ مستقر ، تظهر فيه حقيقته ، ولكل أمة أجل ، ولكل أجل كتاب تعلمون به صدق الوعد والوعيد (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٣).
__________________
(١) سورة يونس آية ٢٢.
(٢) سورة ق آية ٤٥.
(٣) سورة فصلت آية ٥٣.