وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ؛ فالله حسبك وكافيك ، وهو السميع لكل قول وطلب ، عليم بكل قصد ونية ، وهذا يفيد أن دين الإسلام دين السلام والمحبة ، وأنه عدو للحرب إلا إذا اقتضتها الظروف القاهرة.
وإن يريدوا خداعك بطلب الصلح حتى يستعدوا للحرب فاعلم أن الله كافيك شرهم ، وناصرك عليهم ، ولا غرابة ، فهو الذي أيدك وأمدك بنصر من عنده (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) وأيدك بالمؤمنين معك من الأنصار والمهاجرين ، الذين دافعوا عنك دفاع الأبطال ، وهو الذي ألف بين قلوبهم ، وجمعهم على كلمة الحق والشهادة ، وألزمهم كلمة التقوى ، وكانوا أحق بها وأهلها جمعهم على حبك وألف بين قلوبهم المتنافرة المتباغضة ، وقد كانوا في الجاهلية أصحاب حروب وفتن وعداوات وعصبيات وحب للانتقام وإثارة الحروب لأتفه الأسباب ، ومع أنك لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم. ولكن الله القوى القادر الحكيم العليم ألف بين قلوبهم ، وجمعهم على صراط سوى ، إنه عزيز كامل القدرة والغلبة يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير ، حكيم في كل ما يصنع.
يا أيها النبي حسبك الله وكافيك في جميع أمورك أنت والمؤمنين بك فكونوا أقوياء العزم ثابتى الجنان ، فإن الله معكم بالنصر والمعونة. ولا شك أن هذا يقوى الروح المعنوية في جيوش المسلمين.
وهذا لا يمنع الأخذ بالأسباب ، ولذا يقول الله : يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ، وحثهم عليه حثا شديدا حتى يبذلوا النفس والنفيس في سبيل الله طيبة نفوسهم بهذا ، وذلك ببيان فضيلة الجهاد وأنهم ينتظرون في الجهاد إحدى الحسنيين : إما الشهادة ، ويا لها من شرف!! وإما الغنيمة والنصر. واعلموا أن الواجب عليكم أن الواحد يقاتل عشرة من الكفار ، إذ هناك فرق شاسع بين من يقاتل عن عقيدة ثابتة ونفس مطمئنة ، وبين من يقاتل مكرها أو مأجورا أو لغرض دنيوى بسيط.
إن يكن منكم عشرون صابرون محتسبون أجرهم عند الله يغلبوا مائتين ، وإن يكن منكم مائة صابرة على هذا الشرط يغلبوا ألفا من الذين كفروا بالله وبرسوله ، ولم يؤمنوا بالبعث والجزاء ، ذلك بسبب أنهم قوم لا يفقهون الأسرار الحربية ونظامها الذي يكفل النجاح ، وهم قوم لا يفقهون عن عقيدة وحجة ، ثم هم لا يؤمنون بالبعث