كفر يخرج به عن الملة وهم وعيدية الخوارج ، وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان ، بل العمل ليس ـ على مذهبهم ـ ركناً من الإيمان ، ولا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وهم مرجئة الأمة فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً ؟
فتفكر الحسن في ذلك وقبل أن يجيب ، قال واصل بن عطاء ( تلميذه ) : « أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً ، ولا كافر مطلقاً ، بل هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر » .
ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من اسطوانات المسجد ، يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن ، فقال الحسن : اعتزل عنا واصل ، فسمّي هو وأصحابه معتزلة » (١) .
وقد كان لمسألة مرتكب الكبائر دوي عظيم في تلك العصور وهو أمر أحدثه الخوارج في البيئات الإسلامية تعييراً لعلي ( عليه السلام ) حيث إنه بزعمهم ارتكب الكبيرة لما حكم الرجال في أمر الدين ، وليس للرجال شأن في هذا المجال ، فعادوا يكفرونه حسب معاييرهم الباطلة . ولأجل ذلك انتشر السؤال عن حكم مرتكب الكبيرة ، هل هو كافر أو مؤمن فاسق ؟ فالتجأ واصل بن عطاء إلى القول بالمنزلة بين المنزلتين .
وظاهر الرواية ، أن واصل بن عطاء أجاب عن السؤال ارتجالاً وبلا تروّ ، غير أنا نرى أن المعتزلة اتخذوه أصلاً من الأصول الخمسة التي لا يختلف فيها أحد منهم ، فيبدو أنه انتهى إلى تلك النظرية عن تحقيق وتفكير وتبعه أصحابه طوال قرون من دون أن يكون هناك حافز سياسي أو داع غير إراءة الحق وإصابة الواقع .
ومع ذلك كله نرى عبد الرحمن بدوي يعتبر تلك الفكرة منهم فكرة سياسية اتخذوها ذريعة على ألا ينصروا أحد الفريقين المتنازعين ( أهل السنة والخوارج ) حيث قال : « وإنما اختار المعتزلة الأولون هذا الاسم ، أو على الأقل
____________________
(١) الفرق بين الفرق ص ١١٨ الملل والنحل للشهرستاني : ج ١ ص ٤٨ .