طامات وغرائب بقيت على مر الدهر ، وقد أتعب شراح الصحاح والمسانيد أنفسهم الزكية لحلها وتوجيهها . غير أن المتحري للحقيقة ومن يرى أن الحق أولى من الصحابة والصحابي يرى في أحاديثه آثار الوضع والدس والاختلاق بما لا مجال في المقام لذكرها (١) .
وقد أتينا في بعض الفصول السابقة بإلمامة توقفك على مأساة نقل الحديث والتحدث به وكتابته ونشره بين الأمة ، وعرفت أن ترك الكتابة بل ترك التحدث كان فضيلة ، وخلافه بدعة . ولكن الظروف والأحوال ألجأت المسلمين إلى الكتابة والتدوين ونشره في أواخر النصف الأول من القرن الثاني .
ولأجل ذلك صار العثور على الحديث الصحيح الذي حدث به رسول الله ( صلی الله عليه وآله ) أمراً صعباً لما مر من دس الدساسين ووضع الوضاعين تزلفاً إلى أصحاب السلطة والعروش وغير ذلك من دواعي الجعل .
غير أن الأحاديث والمأثورات المروية في كتب الحديث ، أخذت لنفسها بعد التدوين مقاماً عالياً ، وأضيفت إليها آراء الصحابة وأقوال التابعين فصار الجميع هو الأصل الأصيل في تنظيم العقائد وتشريع الأحكام سواء أكان موافقاً للقرآن أم مخالفاً ، وسواء أكان موافقاً للعقل السليم أم مخالفاً له ، وقد بلغ التحجر بهم إلى حد أن قالوا :
١ ـ إن السنة لا تنسخ بالقرآن ، ولكن السنة تنسخ القرآن وتقضي عليه ، والقرآن لا ينسخ السنة ولا يقضي عليها (٢) .
٢ ـ إن القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن (٣) .
٣ ـ إن القول بعرض الأحاديث على الكتاب قول وضعه الزنادقة (٤) .
____________________
(١) لاحظ في الوقوف على قيمة أحاديث أبي هريرة كتاب « أبو هريرة شيخ المضيرة » للعلامة المصري الشيخ محمود أبي رية .
(٢) مقالات الإسلاميين : ج ٢ ص ٢٥١ .
(٣) جامع بيان العلم : ج ٢ ص ٢٣٤ .
(٤) عون المعبود في شرح سنن أبي داود : ج ٤ ص ٤٢٩ .