إن التحذير من التولي والفرار من الزحف ، والحث على الصمود أمام العدو ، لم يصدر من مصدر الوحي إلا بعد فرار مجموعة كبيرة من صحابة النبي في غزوة « أحد » و « حنين » .
أما الأول : فيكفيك قول ابن هشام في تفسير الآيات النازلة في أحد : قال : ثم أنبهم على الفرار عن نبيهم وهم يدعون ، لا يعطفون عليه لدعائه إياهم فقال : ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ) (١) .
وأما الثاني : فقد قال ابن هشام فيه أيضاً : « فلما انهزم الناس ورأى من كان مع رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) من جفاة أهل مكة ، الهزيمة تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن فقال أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وصرخ جبلة بن حنبل ألا بطل السحر اليوم » (٢) . . .
أفبعد هذا يصح أن يعد جميع الصحابة بحجة أنهم رأوا نور النبوة ، عدولاً أتقياء ؟ ! .
قال القرطبي في تفسيره : قد فر الناس يوم « أحد » وعفا الله عنهم وقال الله فيهم يوم حنين : « ثم وليتم مدبرين » ثم ذكر فرار عدة من أصحاب النبي من بعض السرايا (٣) .
هذا الإمام الواقدي يرسم لنا تولي الصحابة منهزمين ويقول : « فقالت أم الحارث : فمر بي عمر بن الخطاب فقلت له : يا عمر ما هذا ؟ فقال عمر : « أمر الله » وجعلت أم الحارث تقول : يا رسول الله من جاوز بعيري فأقتله » (٤) .
____________________
(١) سورة آل عمران : الآية ١٥٣ .
(٢) سيرة ابن هشام : ج ٣ ص ١١٤ ، وج ٤ ص ٤٤٤ . ولاحظ التفاسير .
(٣) تفسير القرطبي : ج ٧ ص ٣٨٣ .
(٤) مغازي الواقدي : ج ٣ ص ٩٠٤ . إن تعليل الفرار من الزحف بقضاء الله يشبه تعليل عباد الأوثان شركهم به كما في قوله سبحانه حاكياً عن المشركين ( لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا ) ( الأنعام : الآية ١٤٨ ) وتلزم من ذلك تبرئة العصاة والكفار لأن أعمالهم كلها بقضاء منه .