أضف إلى ذلك أن الملاعنة من الطرفين أقوى شاهد على فساد إحدى الطائفتين وليس الحق خافياً على مبتغيه ، كما أن الصبح لا يخفى على ذي عينين .
وهناك كلام للشيخ التفتازاني في شرح مقاصده أخذته العصبية في الدعوة إلى ترك الكلام في حق البغاة والجائرين ومع ذلك كله فقد أصحر بالحقيقة فقال : « ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق ، وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرئاسة والميل إلى اللذات والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوماً ولا كل من لقي النبي (ص) بالخير موسوماً إلّا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق ، وذهبوا إلى أنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة سيما المهاجرين منهم ، والأنصار ، والمبشرين بالثواب في دار القرار .
وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء ، إذ تكاد تشهد به الجماد والعجماء ، ويبكي له من في الأرض والسماء وتنهد منه الجبال وتنشق الصخور ، ويبقى سوء عمله على كر الشهور ، ومر الدهور فلعنة الله على من باشر أو رضي أو سعى ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .
فإن
قيل : فمن علماء المذاهب من لم يجوز اللعن على يزيد مع علمهم بأنه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد . قلنا : تحامياً عن أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى كما هو شعار الروافض على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم فرأى المعتنون بأمر الدين ، إلجام العوام بالكلية طريقاً إلى الاقتصاد في الاعتقاد ، بحيث لا تزل الأقدام على السواء ولا تضل الأفهام بالأهواء وإلا فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق وكيف لا يقع عليهما الاتفاق ، وهذا هو السر فيما نقل عن السلف من المبالغة في مجانبة أهل الضلال وسد طريق لا يؤمن