التأثير ، وأن كل ما ينسب إلى تلك الفواعل من الآثار ليس لذوات هذه الأسباب بالاستقلال . وإنما ينتهي تأثير هذه المؤثرات إلى الله سبحانه ، فجميع هذه الأسباب والمسببات رغم ارتباط بعضها ببعض مخلوقة لله ، فإليه تنتهي العلية ، و إليه تؤول السببية وهو معطيها للأشياء ، كما أن له تجريدها عنها إن شاء ، فهو مسبب الأسباب وهو معطلها .
وهذا هو نتيجة الجمع بين الآيات الناصة على حصر الخالقية بالله سبحانه ، والآيات المثبتة لها لغيره ، كما في قوله سبحانه حاكياً عن سيدنا المسيح ـ على نبينا وآله وعليه السلام ـ : ( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ) (١) ، وقوله سبحانه : ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (٢) .
فهذا الصنف من الآيات الذي يسند الخلق إلى غيره سبحانه إذا قورن بالآيات الاُخرى المصرحة بانحصار الخالقية بالله سبحانه ، مثل قوله تعالى : ( قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) (٣) يستنتج أن الخالقية المستقلة غير المستندة إلى شيء سوى ذات الخالق منحصرة بالله سبحانه ، وفي الوقت نفسه الخالقية والفاعلية غير المستقلة المفاضة من الواهب سبحانه إلى الأسباب ، تعم عباده وجميع الفواعل المدركة وغير المدركة .
وعلى ذلك فكل فعل صادر عن فاعل طبيعي أو مدرك كما يعد فعله سبحانه كذلك يعد فعلاً للعبد ، لكن بنسبتين .
فالله سبحانه فاعل لها بالتسبيب ، وغيره فاعل لها بالمباشرة . فليست ذاته سبحانه مبدأً للحرارة بلا واسطة النار ، أو للأكل والمشي بلا واسطة
____________________
(١) سورة آل عمران : الآية ٤٩ .
(٢) سورة المؤمنون : الآية ١٤ .
(٣) سورة الرعد : الآية ١٦ .