الإنسان ، بل الفاعل الذي تصدر عنه هذه الأمور هو النار والإنسان ، ولكن فاعلية كل واحد بقدرته وإفاضة الوجود .
وبذلك يتبين أن أفعال العباد في حال كونها مخلوقة لله ، مخلوقة للإنسان أيضاً ، فالكل خالق لا في عرض واحد ، بل فاعلية الثاني في طول فاعلية الأول . والبيتان التاليان يلخصان هذه النظرية :
وكيف فعلنا إلينا فوضا |
|
وإن ذا تفويض ذاتنا اقتضى |
لكن كما الوجود منسوب لنا |
|
فالفعل فعل الله وهو فعلنا |
وبذلك يتبين أن الاعتراف بالمرتبة الثالثة والرابعة من القدر لا يلازم الجبر ، بشرط تفسيرهما على النحو الذي تقدم (١) .
* * *
ثم ان هناك رسائل ثلاثاً تعد من بدايات علم الكلام في القرن الأول تعرب عن آراء متضاربة في استلزام القول بالعلم الإلهي السابق ، القول بالجبر وعدمه . فالأمويون على الأول وفي مقدمتهم عمر بن عبد العزيز .
وغيرهم على الثاني كالحسن البصري وأصحابه ، نذكر نص الرسالتين إحداهما لعمر بن عبد العزيز والأخرى للحسن وهما يغنيان عن الرسالة الثالثة للحسن بن محمد بن الحنفية ، كما سنذكره .
عرف الأمويون منذ عصر معاوية إلى آخر دولتهم أن سلطتهم على الناس لا تبقى إلا مع إذاعة فكرة الجبر بين الأمة . وقد أشرنا إلى نماذج من أقوال معاوية فيما سبق ونضيف في المقام ما نقله القاضي عبد الجبار عن الشيخ أبي علي الجبائي أنه قال : « إن أول من قال بالجبر وأظهره معاوية ، وإنه أظهر أن ما يأتيه بقضاء الله ومن خلقه ، ليجعله عذراً فيما يأتيه ويوهم أنه مصيب فيه وأنّ الله جعله إماماً وولاه الأمر وفشا ذلك في ملوك بني أمية .
وعلى هذا القول قتل هشام بن عبد الملك غيلان رحمه الله ثم نشأ بعدهم
____________________
(١) ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتابنا : « مفاهيم القرآن » الجزء الأول ص ٢٩٩ ـ ٣٣٤ .